بتأثر بالغ، وحزن ملحوظ، وتعجب واستنكار، فوجئت بأحد إخوتى المقربين لى يحدثنى قائلا: إن أحد زملائه بالعمل أرسل له على "الواتس آب" رسالة عنونها بـ"أعجبني جدا جدا جدااااااااا"، وأنه مؤيد لها، وأن أخى هذا يريد أن يرد عليه، مدافعا، وموضحا، ومبينا، ولما رأيتها وجدتها مقال الأديب السوري محمد البوداي "بعد طرد داعش والتكفيريين.. أريد سوريا مثل بلاد الكفار"، وكيف أنه يرجع "البوداي" فيها سبب تخلف المسلمين إلى دينهم "الإسلام المتخلف" الموجود في عقول المشايخ المتحجرة، والأمر لا يحتاج إلى برهان - على حد تعبيره - وأنهم دائما ما يرددون كالببغاوات أسطوانة سبب تخلفنا هو ابتعادنا عن الإسلام، مقدما العديد من البراهين التي بها يثبت صحة حديثه، وأنه يريد أن يرى بلاده سوريا تماما كبلاد الكفار.
يسوق البوداى عددا من المعطيات المؤمن بها وزميل أخى، منها سؤاله الاستنكارى هل سبب تقدم اليابان وأمريكا والصين وأوروبا وروسيا هو عملهم بالشريعة الإسلامية، ثم يذكر المسلمين بأن من أراد منهم تحصيل العلم يذهب إلى بلاد الكفار، ومن أراد أن يعيش بكرامته يهرب إلى بلاد الكفار، ومن أراد أن يحافظ على أمواله يودعها في بنوك الكفار، والسيارة التي تركبها والكومبيوتر الذي تستعمله والهاتف الذي لا يفارقك صنع في بلاد الكفار، والدواء الذي تشربه يُصنَّع ويأتيك من بلاد الكفار أيها المسلم، إلى آخر معطياته، ليختم مقالته بقوله: خذوا تخلفكم وهمجيتكم، وفتاويكم، أنا سوري وأريد أن يكون بلدي مثل بلاد الكفار.
ثم إذا بى أُهدئ من روعه واستنكاره واندهاشه على مثل هذا الكلام المرسل إليه، وتلك الكلمات الموجهة إلى ديننا زورا وبهتانا، قائلا له: إن "البوداى" وأمثاله من العلمانيين دعاة التغريب، والفصل بين الدين والحياة، وتأثير الاستشراق العظيم فيهم، وتشكيكهم في عقيدتنا الصحيحة، بأفكار هدامة قائمة على أساس من الإلحاد، يناقض الإسلام في جملته وتفصيله، وتلتقي مع الصهيونية العالمية والدعوات الإباحية والهدامة، لن تهدأ مراجل سريرتهم وعلانيتهم في حربهم وحقدهم وكرهم للإسلام، وأن مثل تلك الكلمات لن تكون الأخيرة، إذ رموا إسلامنا بسهامهم المسمومة قبلا، فذكروا أنه عدو للديمقراطية وحقوق الإنسان، وأنهما لا يلتقيان، وأن الإسلام ينظر للآخر نظرة عنصرية، وأنه ظلم المرأة وامتهن كرامتها، وتطبيق الشريعة ردة بالمجتمع ظلم للأقليات، والإسلام دين الإرهاب، وغيرها من الشبهات المثارة منهم سادرة.
ورأيتنى أذكر له أنه حين كان المسلمون متمسكين بدينهم، ملتزمين شرائعه، سادوا وسبقوا العالم أجمع، وأبدعوا حضارة فريدة علمت أوروبا كلها، حين كانت تتخبط في دياجير الجهل والظلام، ويكفينا ما ردده علماؤهم المنصفون عن فضل الحضارة الإسلامية وكانوا شهودا على مآثرها، ومنها شهادة الدكتور (ستانلي لين بول) في مؤلفه "تاريخ العالم" حين يقول: "لم يحدث في تاريخ المدنية حركة أكثر روعة من ذلك الشغف الفجائي بالثقافة الذي حدث في جميع أنحاء العالم الإسلامي، فكان كل مسلم، من الخليفة إلى الصانع، يبدو كأنما قد اعتراه فجأة شوق إلى العلم وظمأ إلى السفر، وكان ذلك خير ما قدمه الإسلام من جميع الجهات".
وهذا المؤرخ (جوليفيه كستلو) في كتابه "قانون التاريخ" يصف حركة التقدم الإسلامي ونهضة المسلمين في قوله : " إن التقدم العربي بعد وفاة الرسول كان عظيما جرى على أسرع ما يكون، وكان الزمان مستعدا لانتشار الإسلام، فنشأت المدنية الإسلامية نشأة باهرة، قامت في كل مكان مع الفتوحات بذكاء غريب ظهر أثره في الفنون والآداب والشعر والعلوم، وقبض العرب بأيديهم - خلال عدة قرون - على مشعل النور العقلي، وتمثلوا جميع المعارف البشرية فأصبحوا سادة الفكر، مبدعين ومخترعين ولا بالمعنى المعروف، بل بما أحرزوه من أساليب العلم التي استخدموها بقريحة وقادة للغاية، وكانت المدنية العربية قصيرة العمر، إلا أنهات باهرة الأثر، وليس لنا إلا إبداء الأسف على اضمحلالها.
ما سبق من شهادتين لمستشرقين منصفين حول الإسلام ونهضته، تمثل غيضا من فيض، وكثيرة هي الشبهات التي تثار في مجتمعاتنا الإسلامية، ظلما، لا لشيء إلا ليصرف الناس عن عقيدتهم الصحيحة، وتشكيكا فيها، علوا من شأن معتقدات فاسدة وبضاعة معطوبة، في فكر تخلفي، متعصب ذميم بعيد كل البعد عن المصداقية، والواقع الفعلي والعملي يؤكد مدى زيف وافتراءات هذه الشبهات من أرض الواقع بحقائق يقينية لا تقبل الشك.
ثم أحلته إلى جهد علمى عظيم الشأن، مشكور الجهد، يرد على كل المطاعن والافتراءات والشبهات المثارة من الشانئين والمشككين، وهى موسوعة "بيان الإسلام: الرد على الافتراءات والشبهات"، والتي قام على إخراجها كبار علماء المسلمين الجهابذة، يتقدمهم الدكاترة محمد محمد داود، محمد الأحمدي أبوالنور، أحمد عمر هاشم، عبدالله عبدالعزيز المصلح، محمد كمال بشر، عبدالصبور شاهين، محمود محمد عمارة، عبدالحميد مدكور، محمد السيد الجليند، نبيل السمالوطى، محمد متولي منصور، وغيرهم، متبعة المنهج العلمي الذي يعتمد على مناقشة الأفكار، وبيان فكرة الشبهة والرد عليها، والبدء بالدليل العقلي في الرد؛ لأن المخالف لا يؤمن بقرآن ولا سنة، الالتزام بالوسطية الفكرية.
صفوة قولى إنه لابد من الاتخاذ بأسباب العزة والتمكين { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا } (الكهف89)، كما أخذ بها سلفنا الصالح، اقتداء برسولنا الحبيب، وشريطة أن نبدأ من الآن واللحظة، أن ننفض غبار الجهل والكسل والقنوط من على أجسادنا.