يستقطر هذا العنوان رحيق حكمة إنسانية محملة بالتمني والرجاء.. لكي تتواصل الأجيال بلا صراع ولا صداع ولا صراخ.. تتكامل وتتفاعل لتتسلسل، حلقات بعضها يفضي إلى بعض، حتى يتسنى لقطار الحياة أن يستمر، وأن يتوقف في كل محطة بعضًا من الوقت والحياة محطات... والأجيال أيضًا..
لكل جيل رسالة تنتظمها رؤية، وإن تمايزت في التفاصيل، ولابد أن تتمايز، طبقا لقانون القطبين المتشابهين متنافرين.. وقانون التجاذب للتنافر والتنافر للتجاذب..
نحن في حاجة إلى الشباب الذي يقدر ويحتاج إلى أن يعرف.. ونحن في احتياج إلى (المشيب) الذي (يعرف) ولم يعد قادرًا على الحركة وعنفوانها.. وفي المسافة المتحركة بين (القدرة) و(المعرفة) تتحرك الطاقات، وتتجلى منظومة القيم التي تنتظم حركة المجتمع، والتي في غيابها يصبح كل شيء مباحًا.
الانقطاع بين الأجيال مرفوض.. والانفصال ليس في صالح الحياة والمجتمع والناس.. لكل جيل عذاباته وأشواقه.. ووروده وأشواكه..
اتركوا الشباب يرقص.. يغني.. يثور.. يفور.. يتمرد.. يشطح.. يخطئ.. يصيب.. يرتع.. يلعب.. يحلق.. ويخفق.. يهزم.. ينهزم.. لا تصادروا جنونه الجميل.. لا تقيدوا طلاقته ولا انطلاقته...
اسمعوا من المشيب.. صوت الحكمة.. ميزان العقلانية.. روح الموضوعية.. كثافة المعرفة.. صدى التجربة.. ثراء السنين.. اقتطفوا منهم الخبرة اليانعة.. استقطروا عبير جدلية الأيام..
والشباب يضيق بالنصح والوعظ والإرشاد والتقريرية الجافة.. افعل ولا تفعل.. والحصار اللامبرر.. نتيجة الخوف عليه، أو يخيل لهم ذلك..
المشيب صاحب «رؤية» والشباب صاحب «رؤيا» وليس شابًّا من لا يعرف الغضب، ولا يملك الشباب إلا أن يكون حيًّا وحيويًّا، وإلا أن يكون طموحًا، وإلا أن يكون الغاضب الساخط المتمرد الثائر.
نعم لا أريد استنساخ الأساتذة، ولا أريد أن أخلف أحدًا ولا يخلفني أحد..
كل له بصمته وكل له خصوصيته، وكل إنسان ألزمه الله تعالى طائره في عنقه..
لماذا نريد التشابه والتطابق والتماثل... الكبار يريدون أن يظلوا أوصياء على الشباب بدون مبررات، ويفرضون جبروتهم عليهم بممارستهم (الآبائية) الذي يعد مرضًا من الأمراض المجتمعية العضال.
حين تتفاعل الثنائية ببين الشباب والمشيب يعتدل الميزان.. ويحلق طائر المجتمع تحليقًا طبيعيًا.. وفي الأدبيات الإنسانية..
المشكلة تكمن في المسافة الكبيرة بين الذي يحلم به، والذي يريده، بين قدرته وإرادته، وفي هذه المسافة تتوالد كل مشكلات الفرد والمجتمع، وكل مشكلات الدولة والحضارة الإنسانية، ويكون الغضب، وتكون الثورة التي هي الغضب النبيل.
وغالبًا ما يكون الشباب نتاج الاغتراب السياسي والاجتماعي والفكري، ونتيجة الأوجاع التي عانوا منها طويلًا وهي أوجاع لا تحتمل.. صحيح كل الناس يتكلمون عن الشباب إلا الشباب أنفسهم.
وقد أسرفنا كثيرًا في الكتابة عن الشباب، شباب اليوم هو الذي ضاق بنا نحن الكبار..
وكلمة شاب تملأ أفواه الناس، ولكن لا أحد يعرف حدودها، وهو إحدى حالات العقل أو نشوة العقل وانتفاضة الإرادة وشطحات الخيال...
لم يتحقق شيء في التاريخ لم يكن صاحبه شابًّا.