Close ad
12-8-2018 | 00:17

منذ أن تحدث الرئيس السيسي في مؤتمر الشباب الأخير بأن مصر واجهت 21 ألف شائعة في شهرين، باتت الحكومة في سباق لملاحقة الشائعات بشكل شبه يومي.. أخيرًا قال مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء: إنه يتابع ويرصد الموضوعات المثيرة للجدل على شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية المختلفة وردود الأفعال، ويحللها بهدف توضيح الحقائق..

وقال المركز: إنه خلال الفترة من 3 حتى 6 أغسطس الحالي رصد المركز شائعة أن المحكمة الدستورية العليا رفضت قانون الضريبة العقارية، وأن الحكومة ستخفض عدد ساعات عمل الموظفين بالجهاز الإداري للدولة، وأيضًا زيادة مصروفات المدارس الحكومية بدءًا من العام الدراسي الجديد، وتأثر الوضع القانوني لطلاب كليات العلوم الطبية بعد تغيير مسماها، وأخيرًا تأخر إصدار تأشيرات سفر الحجاج للسعودية، بعدها بساعات رد البنك المركزي على شائعة أن وزارة المالية ستحجز على أموال المودعين في البنوك حال عدم سدادهم الضريبة العقارية.

قبل تسعة أشهر كشفت دراسة برلمانية حديثة، أن هناك 53 ألف شائعة تم إطلاقها داخل مصر خلال 60 يومًا، وتحديدًا في شهري سبتمبر وأكتوبر الماضيين، وذلك من خلال وسائل مختلفة، كانت النسبة الأكبر منها عبر السوشيال ميديا، وأوضح عضو لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب أحمد بدوي، أن وسائل إعلام نقلت 30% من هذه الشائعات على أنها أخبار حقيقية، ونعرف أنه من بين أدوات الجيل الرابع من الحروب استخدام الشائعات.. وهي الحروب التي تستهدف إسقاط الدول دون استخدام جيوش نظامية، أو من خلال حرب تقليدية، أو حرب عصابات.. كل هذه الأرقام مخيفة قطعًا؛ لأن وسائل انتشار الشائعات أصبحت سريعة جدًا بفضل الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، ويكاد كثيرون لا يفرقون بين الرأي الخاص بكاتبه والمعلومة، فقد حولت هذه المواقع أي شخص وكل شخص إلى صاحب رأي، وحولت كل مدعٍ إلى وكالة أنباء سريعة وعاجلة وحصرية.

كانت الشائعة تأخذ في الزمن الماضي - وهو ليس ببعيد - وقتًا في إطلاقها وتزويدها بالإضافات الخاصة للذين ينقلونها بعد الاستماع إليها، ثم تتحرك الحكومة لكي ترد، لكن الآن الوضع شديد الاختلاف والخطورة.

وأوضحت دراسة النواب أنها أحصت آلاف الشائعات من خلال التواصل مع أجهزة حكومية، لأن المجلس ليس بوسعه حصر هذا الكم الهائل من الشائعات التي تطال الدولة المصرية، وأحسب أن الدراسة تناولت مدى تأثير الشائعات، ووسائل انتشارها، ومحنة تحولها إلى أخبار في وسائل إعلام.

الحكومة اعترفت بهذا الكم الهائل من الشائعات.. وقررت التعامل معها قبل أن تستفحل، وأن ترد بالشرح والتوضيح والتفصيل والتفنيد لكل شائعة تكون قد تجاوزت الحد المسموح به من الانتشار، وقبل أن تتحول فحواها إلى مسلمات, وقبل أن تعيد هذه المسلمات تشكيل الرأي العام..

ونجحت الحكومة بالفعل في الرد على شائعات تخص الضريبة العقارية، وتأشيرات الحج، وزيادة أسعار تذاكر السكك الحديدية، وتخفيض عدد ساعات العمل للموظفين في الجهاز الإداري للدولة, وشائعات أخرى.

وأخيرًا تأسس مركز إعلامي بمجلس الوزراء للتواصل مع وسائل الإعلام والرد الفوري على كل الشائعات؛ كما أوضح الزميل هاني يونس المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء.. لكن الحكومة لم تقف كثيرًا عن تحليل محتوى الشائعات للوقوف ليس على أسباب خروجها وإطلاقها فحسب؛ ولكن على أسباب أو إمكان تصديق الناس لها، والتعاطي معها باعتبارها حقائق، وأن تنفيذها وارد حتمًا..

إن مطلقي الشائعات لا يحملون نوايا حسنة، هم يريدون إرباك الدولة والناس، بشائعات تلعب على هواجس الناس وتوقعاتهم، وتلهب ظهر الحكومة، والهدف أن نعيش تحت ضغط وتساؤلات، ولقد صنعت الحكومة أمرًا حسنًا بالرد السريع على هذه الشائعات.

فأن تكون معظم شائعات الرصد الأولي في نوفمبر الماضي، الـ60 ألف شائعة عن زيادات وشيكة في أسعار المنتجات البترولية، وأن تكون شائعات الأيام القليلة الماضية منصبة على الضريبة العقارية، فإن الحكومة ينبغي أن تعي أن هذه الأمور هي في صلب اهتمامات الناس وأمانيهم، ما يضخم أي شائعة حولها، حتى ولو بحسن نية، فليس من المعقول أن تهدد الحكومة الناس بالحجز الإداري؛ بسبب الضريبة العقارية، والمهلة تم مدها حتى منتصف أكتوبر، في نفس العام الذي زادت فيه أسعار تذاكر المترو والمياه والكهرباء والغاز والبنزين.

الضريبة العقارية نظام معمول به في عدد من دول العالم، وهو مقرر في مصر منذ عشر سنوات على الأقل.. لكن كان أجدر بالحكومة أن تؤجل تطبيق قانون الضريبة العقارية إلى العام المقبل، أو العام الذي يليه، حتى تهضم الناس الزيادات الصعبة التي تم تنفيذها هذا العام، وهي زيادات نعرف جميعًا أنها ساهمت في زيادة كل أسعار السلع والخدمات، وكان من الممكن تأجيل الضريبة إلى ما بعد الانتهاء من رفع الدعم كليًا عن البنزين والغاز والكهرباء؛ حتى يتمكن المصريون بجميع طبقاتهم من تحمل فاتورة الإصلاح الاقتصادي..

على الحكومة أن ترد على الشائعات التي تُطلق الآن في مصر؛ لوقف تأثيرها الضار على الأمن القومي وعلى معنويات المواطنين، وأن تشرح الشائعة، وتفندها كما فعلت في الآونة الأخيرة، ولكن عليها دراسة محتوى الشائعات لمعرفة توجهات ورغبات الرأي العام تجاه قضايا معينة.

إن الشائعات في باطنها المؤامرة، وهذه يجب محاربتها، ولكن في ظاهرها ما يمكن أن يخدم الحكومة في المعرفة، كنوع من استطلاع الرأي، وميول الرأي العام في قضايا وأزمات محددة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: