توصيف أزمات المرور في بلدنا، دائمًا يختلف باختلاف المُوصف، فمن وجهة نظر الناس، يقع اللوم على الحكومة لتقاعسها في تنظيمه، والعكس من وجهة نظر الحكومة، السبب الرئيسي لأزمات المرور، هو المواطن الذي يسلك سلوكًا سلبيًا في طريقة استخدامه للطرق، بل وصل الأمر لاتهام الناس بأكثر من ذلك، ووصل بنا الحال لنقول: إن الحوادث تقع بسبب الرعونة في القيادة وكذلك الاستهتار بها، قد يكون جزء من هذا الاتهام صحيحًا، لأنه بطبيعة الحال السيارة تسير وفق طريقة قيادة السائق، فإذا كان ملتزمًا، يكون التزامه سببًا مهمًا في يسر المرور، والعكس صحيح.
ولكن هناك جزءًا آخر يتعلق بآلية التنظيم، فوجود نظام قوي لآليات المرور، مشتمل على بيانات دقيقة وشفافة لقواعد المرور، إضافة لتوضيح إجراءات عقاب المخالفين، من شأنها ردعهم، فعلى سبيل المثال، عند معرفة قائد السيارة أن هناك أجهزة رادار لقياس السرعة على الطريق، ترى الغالبية العظمى من السيارات تسير في حدودها المسموح بها، وعند وجود إشارات إلكترونية، تضبط مخالفيها، وتوُقع عليهم الغرامات المستحقة، بدأنا نرى التزامًا من الناس، رغم عدم وجود من يراقب هذه الإشارات من قوات الشرطة.
بما يؤكد أن وجود النظام الواضح، يؤدى إلى سيولة مرورية واضحة في المقابل، رغم بعض العيوب البسيطة، ولكن هل الحل في وجود النظام فقط، أم أننا نحتاج إلى نشر ثقافة مرورية متميزة، برؤى جديدة، تؤكد أن احترام المرور، له مردود اجتماعي واقتصادي على كل الناس، من شأنه أن يوفر لهم الوقت والمال.
وإلى أن يخرج قانون المرور الجديد إلى النور، بإجراءاته الرادعة والعادلة التي يمكن أن تعيد للطريق وقاره واحترامه، ما العمل؟
أطرح مثالاً، أثق أن الكثيرين يعانون منه، في الفترة من الرابعة عصرًا وحتى الثامنة مساءً تقريبًا كل يوم، الجزء من المعادي وحتى منزل شارع البحر الأعظم على الطريق الدائري، يكون مكدسًا جدًا، وأحيانًا يُصاب بالتوقف التام، حتى تحولت إلى ظاهرة متكررة الحدوث بشكل يومي، عدا أيام الإجازات التي يكون فيها مستخدمو الطريق عددهم قليل للغاية.
وعندما تقطع هذه المسافة التي لا تزيد على 13 كيلو مترًا تقريبًا، في وقت قد يجاوز الساعة ونصف الساعة أحيانًا، تكتشف أن السبب في هذه الازدحام صادم!
قد ترى بعض سيارات السيرفيس تقف عند منزل شارع البحر، انتظارًا لركابها، بأريحية عجيبة ومستفزة، وغالبًا لا تجد أحدًا من أفراد الشرطة المعنيين بالمرور في هذه البقعة، ليختلط الحابل بالنابل تمامًا، ويظل هذا المشهد يتكرر مرارًا وتكرارًا يوميًا، دون داع على الإطلاق، وقد تكون هناك أجزاء أخرى من الطريق الدائري مصابة بهذا الداء اللعين، لا أعلمها، ولكن حضراتكم تعلمونها وتئنون منها، رغم أن الغرض الذي من أجله تم إنشاء هذا الطريق، هو الهروب من زحام العاصمة، لطريق دائري يدور حولها، والمفترض فيه ألا يعانى تكدسًا إلا لو وقع حادث لا قدر الله.
لكن أن يتكرر هذا التكدس بهذا الشكل المستفز يوميًا، وكأنه قدر لا مناص منه، لهو أمر عجيب ومستفز، لا علاقة له بسلوك الناس ولا بثقافاتهم، وكلنا نتذكر جيدًا، حال هذا الطريق وهذه البقعة التي أتحدث عنها تحديدًا، فترة انعقاد مؤتمر الشباب بجامعة القاهرة يومي السبت والأحد، وهى أيام تشهد كثافات مرورية كبيرة، سيولة رائعة، والسبب اهتمام رجال المرور وعنايتهم الفائقة بتسيير الطرق.
فلماذا يتكدس الطريق الدائري في بقية الأيام؟ هل نحتاج لمؤتمرات يحضرها رئيس الجمهورية لينتظم المرور؟
أسئلة باتت تراود الناس من فرط تعجبهم لسيولة المرور، فنجاح رجال المرور في تنظيمه في هذه البقعة بتلك الحرفية، وإعادة الانسيابية لها، يطرح كل علامات التعجب من تركها بهذا التكدس!!
وهو يؤكد أن لكل داء دواء، بما فيها داء التكدس المروري،، ولكن، إذا أرادت الحكومة.
ولكن واقع الحال يقول عكس ذلك ودون داعٍ، أن لكل داء دواء، إلا داء أزمة المرور.