Close ad

يومان في جامعة القاهرة

31-7-2018 | 20:06

أمضيت يومي السبت والأحد الماضيين، تحت قبة جامعة القاهرة العريقة، مشاركًا ومتابعًا لجلسات ومناقشات النسخة السادسة من مؤتمر الشباب، التي شارك فيها الرئيس عبدالفتاح السيسي.

وكم كانت سعادتي بالغة بما تابعته ورأيته، حيث لمست إصرارًا من قبل القيادة السياسية على النجاح والعبور بالبلاد بسلام من أزماتها ومتاعبها وتحدياتها، ووضعها في المكانة اللائقة بها، المكانة التي تشعرنا كمواطنين بالرضا، ووجدت شبابًا نابهًا يشعرونك بالفخر من فرط حماسهم وأفكارهم الخلاقة المبدعة، ورؤيتهم الثاقبة للمستقبل، وشجاعتهم وثقتهم بأنفسهم وهم يعرضون مقترحاتهم ومشاريعهم، حتى تصبح مصرنا في أفضل وأجمل حال بسواعد أبنائها وهمتهم.

الإصرار على النجاح، والنماذج الشبابية المبهرة، كانا يتصدران المشهد تحت قبة جامعة القاهرة، لكنهما لم يكونا الوحيدين، فمعهما وجدت الحرص الشديد على إرساء عدد من المبادئ والقيم العظيمة الجديرة بتسليط الأضواء الكثيفة عليها والتمسك بها؛ لأنها درجات سلم كفيل بصعودنا وارتقائنا لأعلى دائمًا، ومنها ما يلي:

أولا: إعلاء قيمة العلم وتقدير إنجازات العلماء، ابتداء من اختيار جامعة القاهرة لعقد مؤتمر الشباب، وانتهاء باستعراض سير بعض البارزين النابغين من خريجي الجامعة في تخصصات متنوعة.

ولفت نظري في الفيلم الوثائقي "أهل العلم" الذي تم عرضه في اليوم الأول للمؤتمر، مسألة احتضان الموهوبين والمتميزين من طلاب الجامعة عبر مراحلها ورعايتهم، إلى أن أصبحوا أسماء لامعة في مجالاتهم، ولهم تلاميذهم الذين نقلوا إليهم حصيلتهم من المعارف والخبرات؛ وبدورهم نقلوها لمن تتلمذ على أيديهم، أو ما يمكن تسميته مجازًا بـ"توريث العلم"، فهؤلاء كانوا نبراسًا أضاء جنبات وأروقة أعرق جامعات مصر، وقدوة يحتذي بها كل راغب وجاد في التعلم وإفادة وطنه، وكانوا خير ممثلين لمصر في المحافل واللقاءات الدولية والعربية.

تلك القيمة حرص الرئيس السيسي على إبرازها وتأكيد ضرورتها، من خلال إشادته باقتراح قدمته فتاتان، هما غادة والي، وياسمين والي، بإعداد مشروع الهوية البصرية لمحافظات مصر، بما يبرز خصوصية كل محافظة وما يميزها من مناطق أثرية وصناعات وحرف .. إلخ، وموافقته على البدء في تنفيذه بمحافظة الأقصر، تحت إشراف الحكومة، واقتراح الفتاتين - بخلاف اتسامه بالإبداع والإشراق - يرسخ مبدأ نشر ثقافة الجمال وليس القبح، وأن تقع عيوننا على كل ما هو جميل وراق في بلادنا من شرقها إلى غربها، ومن شمالها لجنوبها، وأن أصحاب الكفاءات والمواهب مقدرون من أعلى المستويات في الدولة المصرية.

ثانيًا: فضيلة العمل الجماعي، فالرئيس في كل المناسبات والمؤتمرات يشدد ويلح على أن اجتيازنا عنق زجاجة الأزمات لن يتحقق إلا بتوحيد صفوف المصريين، وأن يعملوا على قلب رجل واحد، تلك الوحدة ستكون ضمانة للمسار والتوجه ونجاح السياسات الإصلاحية التي يجري تنفيذها بهمة، وكذلك ستكون صخرة صلبة تتحطم عليها مخططات المتآمرين والمتربصين والمشككين، الذين لا يكفون عن إطلاق الشائعات، وإثارة الرأي العام، فهم يسعون لشق صف المصريين، وتفريقهم إلى شيع وجماعات يسهل قيادتها والتأثير عليها، مثلما كان يخطط ـ ولا يزال ـ مكتب إرشاد الجماعة الإرهابية.

ثالثًا: النظرة الشاملة - وليست الجزئية - عند التقييم، فعندما أدقق فيما أنجز بطول البلاد وعرضها خلال السنوات الأربع الماضية يجب ألا أثبت نظري على جانب وحيد؛ مثل مستوى الأسعار، وخطه التصاعدي، تاركًا بقية العناصر والمعطيات الأخرى التي ترسم وتحدد ملامح الصورة كاملة، فذاك ظلم بين وفادح.

إن الموضوعية والإنصاف يقتضيان أن ننظر إلى النواحي الاقتصادية والأمنية والاجتماعية والدبلوماسية، وكيف يتعامل معنا العالم الخارجي، ومستويات علاقاتنا الدولية وتنوعها، وأننا نمتلك ناصية قرارنا، وتعاطينا مع قضايا المنطقة والإقليم، وقدرة مؤسسات الدولة على القيام بواجباتها ومهامها بالشكل الأمثل، الذي يخدم مصالح البلد والمواطن، وأن تفرض كلمتها وسطوتها، حتى لا ينفلت عيار الخارجين على القانون والمارقين، وقبل هذا كله كيف يبدو شكل المستقبل، وهل ما نلمسه في حاضرنا يبشر بالخير والنماء أم لا؟

في ضوء تلك المعطيات وغيرها نصدر أحكامنا بالسلب أو الإيجاب، لكن الاحتكام لعنصر واحد فقط لا غير، فيه ظلم للتجربة والقائمين عليها، وقبلهما للشعب المصري بأسره الذي أعطى الكثير ـ ولا يزال ـ في الأعوام الماضية، إن طبقنا والتزمنا هذه القاعدة الذهبية ـ النظرة الشاملة ـ فسوف نفتح أذهاننا وأعيننا على حقائق ما يدور ويبذل من جهد في البلاد، ونعرف أن المكاشفة والوضوح هما العنوان العريض للعهد الراهن، بدلًا من الانجرار خلف آلة الشائعات الجهنمية.

رابعًا: ضرورة حسم الاختيارات الوطنية بجلاء، ودون مواربة ولا تقاعس، بمعنى هل نريد إصلاحًا، أم بقاء ما نحن عليه مكتفين بالمسكنات والمهدئات، وإزاحة كرة المشكلات للأجيال المقبلة تتصرف فيها بالأسلوب نفسه، أو معالجتها من جذورها بعد أن تكون قد تفاقمت، وأضحت ديناصورًا ضخمًا يصعب السيطرة عليه وتحجيمه، وهل نحن مستعدون لتحمل آلام الإصلاح لبعض الوقت؟

ما نراه من حولنا أن هناك اتجاهًا واضحًا من القيادة السياسية لإيجاد حلول جذرية لتلال من المنغصات والمشكلات التي تُركت خلال عهود سابقة دون علاج حقيقي، وأنها لا تكف عن عرض الواقع كما هو، لكي يعي المواطن حتمية الإصلاح وضروراته، وأنه لا تراجع عن المسيرة الإصلاحية التي يلزم دعمها بكل ما أوتينا من قوة، حتى نطمئن على مستقبل أولادنا وأحفادنا.

خامسًا: أن القانون هو السيد والكل يخضع لسلطانه، ولا تهاون في تطبيقه على المخطئ، وأن الفساد والفاسدين والمفسدين ليس لهم موقع ولا مكان بيننا، وأن الأجهزة الرقابية مدعومة دعمًا كاملًا لمحاربة الفساد، وأن الدولة تحاول أن تضيق عليه الخناق وعلى مصادره؛ عبر الميكنة ووسائل أخرى.

وعندنا من الشواهد ما يكفى ويزيد على أنه لا أحد فوق المحاسبة والعقاب، وأن أجهزتنا الرقابية لا هم لها سوى المحافظة على المال العام وصونه من عبث العابثين، واقتفاء أثر الفساد وروافده.

لنقف جميعا صفًا واحدًا خلف الإصلاح والتطوير، لكي نغادر إلى غير رجعة فجوة العوز، وننطلق معًا نحو المستقبل، ولندرك ونطمئن أن شباب مصر بخير وواعد وقادر على تولى المسئولية، وعلى العطاء بغير حدود، وهو جدير بثقتنا.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الوحش الأفغاني

بين جبال أفغانستان الشاهقة يختبئ مقاتلو تنظيم داعش خراسان الذى أعلن مسئوليته الشهر الماضي عن العملية الإرهابية التي استهدفت مركزًا للتسويق قرب العاصمة

الأكثر قراءة