Close ad

الارتقاء بالتعليم .. مفتاح التنمية

1-8-2018 | 23:14

ظلت مصر طيلة عقود عديدة تنتهج سياسة تعليمية صلبة؛ تقوم على التلقين؛ وتبتعد تمامًا عن التطور والفهم؛ ولتطبيق مبدأ العدالة بين طلابها؛ كان البديل الأوحد؛ الدرجات الحاصل عليها الطالب.

فمن يحصل على أعلى الدرجات؛ يحق له اختيار الكلية التي يريدها؛ وبرغم أن ما سأقوله قد يُغضب البعض؛ فإنه الحقيقة المؤلمة؛ فبمقدار الصم والحفظ؛ يأتي التفوق؛ وفيلم "الثلاثة يشتغلونها" للنجمة ياسمين عبدالعزيز؛ جسد بشكل كوميدي هذا الواقع المؤلم.

ومن هنا يظهر معيار العدالة التي حددتها منظومة التعليم؛ وبجلاء من خلال مهارة الصم؛ فكلما كان الطالب قادرًا على الحفظ؛ استطاع الحصول على درجات كبيرة؛ ولا تحدثوني عن أن هناك أسئلة قد تبدو صعبة لتُحدد الطالب المتميز؛ فالعبرة بمدى قدرته على الصم.

والدليل الآخر المؤكد لما أقول؛ مهزلة الدروس الخصوصية؛ وما هو موجود منها على مواقع اليوتيوب؛ مدرسون يمتلكون مراكز بمساحات كبيرة؛ يتخذونها مكانًا لإعطاء الدروس؛ أحدهم وصل به الأمر لأن يتراقص أمام طلابه؛ كوسيلة لتحفيظهم المنهج؛ وآخر يلحن المنهج بطريقة عجيبة؛ كل ذلك يهون في سبيل تحفيظ الطلاب المناهج.

وقدرة المدرس على التحفيظ؛ تؤدي إلى شهرته في الوسط الطلابي؛ ومن ثم ترضخ الأهالي لأفعاله الغريبة؛ حرصًا منهم على حصول أبنائهم على الدرجات التي تمكنهم من دخول الكليات المهمة من وجه نظرهم.

وظل الحال على هذا المنوال سنين كثيرة؛ كليات القمة؛ تأخذ المجموع الأعلى؛ وهكذا؛ بل إن الأمر تخطى طلاب المرحلة الثانوية؛ ووصل لكليات الجامعة؛ التي تُدرس سنة إعدادي؛ من يُرد دخول قسم معين؛ فعليه الحصول على درجاته المرتفعة؛ دون النظر لكفاءة الطالب؛ فالمهم مدى قدرته على تحصيل الدرجات.

لتظل القدرة على الصم والحفظ؛ هي معيار التفوق بلا منافس؛ ليتبوأ المتميزون في هذا المعيار مقاعدهم في كليات القمة؛ إلا من رحم ربي؛ وكان منهم أصحاب المهارات في فنون الدراسة؛ لذلك عانت مصر كثيرًا جدًا؛ وما زالت؛ في مواكبة فنون العصر الذي يتطور ويتقدم بمعدل سريع جدًا؛ معدل يحتاج في المقابل لتوافر مهارات نفتقدها في بلدنا؛ مهارات تنمي قدرات الفهم والاستيعاب؛ التي تركناها عمدًا؛ وانشغلنا بمغريات أخرى؛ خاصة بتوفير ضرورات الحياة؛ من مأكل وملبس وخلافه؛ وكانت نظرتنا للتعليم ثانوية؛ ضيقة؛ باعتباره من الرفاهيات؛ وهو في الحقيقة من أسياسيات البناء والارتقاء.

حتى بات من الطبيعي مشاهدة خريج المرحلة الإعدادية؛ يرسُب في الإملاء!

تلميذ قضى تسع سنوات من عمره في المدرسة؛ ويرسب في الإملاء! وأحيانًا لا يستطيع القراءة؛ أي تعليم هذا الذي ينتج هذه النماذج؛ ولما لا؛ ونحن قضينا بكامل إرادتنا على براءة أطفالنا؛ حينما قررنا ذهابهم لمدارسهم؛ مُحملين بحقائب ثقيلة جدًا؛ لا يستطيع حملها الكبار؛ وحرمناهم من ممارسة الرياضة أو الفنون في مدرستهم؛ وباتت المدرسة أشبه بمكان مُوحش؛ يتمنى الطفل أن يتركه بسرعة؛ لأن الساعات التي يقضيها بها؛ تكون إما في فصول مكدسة؛ أو مع مدرسين نمطيين؛ يهتمون بالشكل على حساب المضمون؛ وفي الحقيقة غالبيتهم مظلومون؛ فمن يشرفون عليهم؛ هكذا طريقة تقييمهم لهم.

العام الدراسي الجديد الذي يبدأ بعد بضعة أسابيع؛ من المُقرر أن يشهد تغييرًا شاملاً في منظومة التعليم؛ تغييرًا يسعى لمواكبة العصر الذي نعيشه؛ يُرسخ للتعلم بمفهومه الشامل؛ يُجاهد للقضاء على الصم بويلاته وآثامه؛ يقضي بشكل لافت على ظاهرة الدروس الخصوصية التي دمرت بنيان المجتمع المصري تمامًا؛ لتخريج أجيال واعية؛ مدركة أبعاد التطور ومفرداته.

رؤية طرحها وزير التربية والتعليم؛ د.طارق شوقي؛ تقوم على بناء الشخصية بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ بداية من السنة الأولى لرياض الأطفال؛ فلن نشاهد طفلاً يذهب لمدرسته بحقيبة ثقيلة مرة أخرى؛ ولكننا سنشاهد طفلاً يذهب لمدرسته يتعلم منهجًا مناسبًا لعمره؛ واضعين في الاعتبار؛ أهمية أن يحب التلميذ المدرسة؛ من خلال فرض مهارات التعلم الحديثة؛ أضف إلى ذلك تغيير نمط امتحانات الثانوية العامة؛ فلن يستطيع مدرس مهما امتلك من مهارات؛ أن يتفرد كما كان يحدث سالفًا، ويعطي المنهج لطلابه بنفس الطرق القميئة القديمة؛ فالأمر يبدو لي - بحسب ما عرضه د.طارق شوقي- مختلفًا تمامًا؛ أمر يدعو إلى الابتهاج بوجود بوادر من الأمل صوب غدٍ ساطع؛ ولما لا؛ والنظام الجديد يقضي على الغش؛ فلكل طالب امتحان مختلف؛ وبالتالي احتمالية الغش منعدمة.

آن لمصر أن تصنع مستقبلاً مغايرًا لماضٍ قتل أحلام الناس وآمالهم؛ مستقبلاً مزدهرًا يحقق قدرًا جيدًا من طموحات طال انتظارها.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الرحمة

أيام قلائل ويهل علينا شهر رمضان المبارك؛ وأجد أنه من المناسب أن أتحدث عن عبادة من أفضل العبادات تقربًا لله عز وجل؛ لاسيما أننا خٌلقنا لنعبده؛ وعلينا التقرب لله بتحري ما يرضيه والبعد عن ما يغضبه.