Close ad

فريق الفراعنة / الساجدين!

5-7-2018 | 22:45

أعلم بداية أنني أُدخل رأسي في عُش الدبابير! وأعلم أن التناول بالنقد الصادق لمنتخب كرة القدم المصري؛ الذي عاد بخفَّي حنين من مشاركاته في كأس العالم بروسيا؛ وهو من عرفناه منذ نشأته باسم "فريق الفراعنة"؛ وتحول منذ سبعينيات القرن الماضي ـ مع انتشار المد الوهَّابي المدعوم بأموال البترودولارـ إلى تسميته باسم "فريق الساجدين"!

وكأن مصر بتاريخها الحضاري وعقيدتها الليبرالية متفتحة النوافذ على كل التوجهات العقائدية؛ وقناعاتها وقناعة شعبها بأن: ما لله لله .. وما لقيصر لقيصر! قد قامت بتحويل المستطيل الأخضر إلى ساحة مسجد يركع فيه الراكعون؛ شكرًا لكرة عشوائية طائشة ـ أصابت الهدف ـ هنا أوهناك!

والآن.. وقد هدأت العاصفة، ومنحت نتائج الفرق المشاركة الأخرى؛ فرصة ذهبية للمزيد من اقتناص الحجج والتبريرات الواهية ـ للحفاظ على ماء الوجه ـ عن الفشل الذريع في محاولة صنع "فرحة" لقلوب الشعب المصري، وتوالى حصد الخسائر ـ ولا أقول الهزائم ـ في المباريات الثلاث التي خاض غمارها الفريق القومي؛ واستقبل مرماه "نصف دستة" من الأهداف، وضاعت معها سمعة الكرة المصرية في العالم؛ لأن المكسب والخسارة والتعادل ثلاثية لا بديل عنها، بشرط قيام الفريق بالنزال المشرِّف حتى آخر دقيقة من عمر المباريات، ولكن ما رأيناه كان بعيدًا كل البعد عن الغيرة الوطنية الواجبة، وكانت الخسائر المهينة والخروج من الدور الأول بلا "نقطة" واحدة؛ هي حصاد التخاذل وضياع الملايين التي دفعها الشعب المصري من قوت يومه وقوت أولاده!

الإخفاق وضياع الملايين من الجنيهات؛ له جهات الاختصاص التي تتولى المحاسبة الفنية والمالية والقضائية، ولسنا جهة اختصاص لتوجيه أصابع الاتهام أو منح البراءة لهؤلاء، ولكن ما يعنينا هو هذا السلوك المشين حين يسجلون هدفًا عشوائيًا ـ وغالبًا من ضربة جزاء ـ فإنهم يسارعون بالسجود على الأرض؛ وهو ما يُعده العُرف والأخلاق نفاقًا وتمسحًا في الدين والعقيدة، ونتساءل عما لو كان الذي أحرز هذا الهدف "مسيحيًا أو يهوديًا".. هل يسمح له بـ "وشم" علامة الصليب على صدره؟ أم سيكون هذا مستهجنًا من المتشدقين أصحاب الآراء المتطرفة؟ إن الرياضة لا دين لها يا قوم!

لست ضد أداء الطقوس والشعائر الخاصة بقناعات كل فرد؛ فعلاقة الإنسان بالدين تاريخ طويل يبدأ مع طفولة الإنسانية، وقد تطورت هذه العلاقة بدرجات متفاوتة حسب تطور الشعوب المعتنقة لدين ما أو لعدة أديان تتوزع الشعوب.. والمؤسف أن أقل تطور وقع لهذه العلاقة كان ببلاد المسلمين لخضوعها جميعًا لاستعمار طويل جعل ملاذ تلك الشعوب الوحيد هو الدين، بل ملاذ عاداتهم وتقاليدهم ومعتقداتهم الشعبية التي جعلوها جزءًا من الدين وطقوسه.

ويظل السؤال معلقًا يبحث عن إجابة شافية: ما علاقة الرياضة وتسجيل الأهداف بالسجود والركوع؟ فالرياضة في مجملها ألعاب تنافسية في مضمار المنافسة؛ تخضع للموهبة والتدريب الجاد والتفاني في الأداء واللعب النظيف، ولابد من الأخذ بالأسباب للوصول إلى تحقيق النتائج المرجوّة؛ دون التواكل والاعتماد على منحة ننتظرها من السماء، فماذا لو كانت النتائج هي المكسب أو الخسارة؛ برغم السجود والركوع والتزلف إلى السماء لتمطر الفوز المنتظر وغير المستحق؟ بالتأكيد هو اهتزاز الإيمان بالعقيدة والمُعتقد، خاصة في أذهان الصغار الذين تخيب ظنونهم في عدم نصرة "الله" لهم؛ برغم أداء الطقوس المغيِّبة للعقول والأذهان.

إن التبعة والمساءلة ـ بالتأكيد ـ تقع على قائد ومدرب فريق كرة القدم؛ ومدى توفيقه في اختيار العناصر التي تقوم بتنفيذ أفكاره ومخططاته دفاعًا وهجومًا؛ تمامًا كالفرقة الموسيقية التي تعمل تحت إمرة "عصا المايسترو" لتعمل كوحدة واحدة في "هارموني" متناسق بلا نشاز يخرج عن سياق السلم الموسيقي المحدد والمكتوب سلفًا؛ وكلُ يعرف دوره من عازفي الآلات الإيقاعية والوترية والنحاسية؛ ولا يأتي هذا التناغم والانسجام؛ إلا بعد التدريب الشاق والمضني بلا كللٍ أو ملل، و"عصا المايسترو" ليست هي عصا الساحر بطبيعة الحال؛ ولكنها إشارة ودلالة على الطاعة الواجبة والمفترضة؛ لإظهار قيمة فريق العمل بمجموعة أفراده لتحقيق الهدف المشترك، وتظهر حتمية هذا الانسجام والتناغم للعمل بـ "روح الفريق"؛ وتظهر هذه الروح بوضوح في ملاعب كرة القدم باللعب الجماعي، فلا يجب "رمي الحمول" أو الاتكاء على لاعبٍ واحد مهما كانت موهبته ـ كما حدث لفريقنا القومي ـ فالعمل الجماعي الفعال ـ بالتأكيد ـ لا يحدث تلقائيًا، بل يأخذ قدرًا كبيرًا من المجهود، ويضاف إليه عددٌ من العوامل الخارجية التي تساعد على نجاح الفريق، ولن يتسنى النجاح لمجرد السجود والركوع؛ فالإيمان ما وقر في القلب وصدَّقه العمل!

وأكرر أن الرياضة لا دين لها؛ فالفرق تتنافس وكل فريق ينتمي لاعبوه إلى ديانة مختلفة لا نعرها اهتمامًا، بل نشغل بالأداء التنافسي ونتبارى لتحقيق الفوز وفقط!

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة