Close ad

مستقبل قناة السويس

24-6-2018 | 00:48

يفتتح الدكتور مصطفى الفقي مدير مكتبة الإسكندرية بعد يومين (الثلاثاء الموافق 26 يونيو 2018) الأمسية الثقافية التي تنظمها المكتبة بمناسبة بدء الاحتفال بمرور 150 عامًا على افتتاح قناة السويس، وذلك بحضور الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس كضيف شرف ومتحدث رئيسي، والدكتور فتحي صالح الرئيس الشرفي لمركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي التابع للمكتبة، والدكتور علي الحفناوي مستشار مشروع متحف قناة السويس ومؤسس الجامعة الفرنسية في مصر، وراميير دي فورتانييه رئيس مؤسسة ذكرى فرديناند دليسبس وقناة السويس، والسفيرة فاطمة الزهراء عتمان وكيل أول وزارة الخارجية سابقًا، ويشارك في الأمسية عدد من الشخصيات العامة والمثقفين والإعلاميين.

هذا الخبر من إعلام المكتبة ذو شجون متعلقة بالشخص وبالموضوع.. بالنسبة للشخص، وهو الدكتور الفقي، فإنه منذ أن تولى منصب مدير المكتبة قبل عام واحد فقط، وهو يحاول أن يزاوج بين العلم والمجتمع، وبين المعرفة وأبسط الوسائل لكي تصل إلى الجمهور العام المثقف، وبين التاريخ وكل ما يمكن أن يساعد في قراءته وفك ألغازه، لقد خرج الدكتور الفقي بالمكتبة من المتحفية - وهي على أرقى مستوى بالمناسبة - إلى التفاعل مع اهتمامات المصريين..

وليس غريبًا في عام واحد أن يحول المكتبة في مناسبات عدة، إلي قراءة جديدة للتاريخ عند عبدالناصر (في يناير الماضي) وعند السادات (في ديسمبر المقبل)، وبينهما ذكري ثورة يوليو بمؤتمر علمي الشهر المقبل.

وفي العام المقبل نلامس مائة عام علي ثورة 1919 والفقي من أكثر الأساتذة فهما وتقييما ودراسة لها على صعد مختلفة، خصوصًا على صفة الوحدة الوطنية التي جسدتها.. كما نلحظ الخروج اللافت من الإطار فيما يخص تسلم قصر حلوان الأثري (قصر الأميرة خديجة) ليتحول إلى متحف للأديان، وعملية تطوير قصر أنطونيادس بالإسكندرية.. فيما واصلت المكتبة إصداراتها المميزة من الكتب، واستيعاب مكتبات الكبار التي يهديها الورثة إليها، والتبادل العلمي مع جامعات مصر والعالم.

أما الموضوع وهو قناة السويس، والتي دار حولها الصراع في الشرق الأوسط منذ افتتاحها قبل 150 عامًا، فهي الشريان الحيوي الذي دفع فيه المصريون ثمنًا باهظًا، في سبيل إنشائه أولا، ثم إدارته والدفاع عنه طوال تلك السنوات، وبعد ذلك ومنذ بدء الألفية الثالثة، مشاريع تطويره.. وأخيرًا ازدواج مسار القناة فيما عرف بقناة السويس الجديدة، ومشاريع الأنفاق الستة التي كادت تكتمل تحت القناة، والجسور فوقها تجسيدًا للاهتمام بها وبشبه جزيرة سيناء وبطريقة عملية وليس برفع الشعارات فقط..

لم تكن قناة السويس في البداية سوى المشروع التجاري الحالم لفرنسا لاختصار زمن الإبحار إلى الهند عبر رأس الرجاء الصالح الذي تحتكره بريطانيا تقريبًا، وكانت الخشية الإستراتيجية من شق القناة في البال والخاطر طوال الوقت، لدرجة صرف التفكير عنها من قبل بعض الحكام حتى لا نلفت نظر الأعداء، لكنه ديليسبس الذي استطاع إقناع الخديو سعيد بحفرها، ثم استكملت وافتتحت في عصر الخديوإسماعيل.. وذكر المؤرخ المصري عبدالرحمن الرافعي أن الخديو سعيد أخطأ بقبول المشروع الذي فتح به باب التدخل الأجنبي على مصراعيه..

أما موقع مصر الاستثنائي جغرافيًا، فقد اكتسب ميزات جديدة، ربما اعتبرها البعض جالبة للضرر كما ذكرنا، بعد جريان الماء في القناة لأول مرة.. والتفت العالم إلي أهمية مصر، وزادت وتيرة المؤامرات، حول مصر والقناة..

وبعد افتتاحها ببضع سنوات (حوالي 13 سنة) احتل الإنجليز مصر المكبلة بالديون، وتم استغلال قناة السويس في جزء مهم من معركة احتلال مصر.. ومؤرخون كبار من مصر والغرب أكدوا أن القناة كانت الحلقة الأضعف في مقاومة البلد للإنجليز.. وكانت الديون المستحقة منها والمفتعل أحد مسببات التحكم القسري في البلاد، ثم الاحتلال الصريح لها..

أما معركة القناة الكبرى فكانت معركة التأميم التي قادها عبدالناصر، وتسببت في احتلال إسرائيل لسيناء، ثم انسحابها وقيام مصر بإدارة القناة.. وعادت إسرائيل مرة أخرى إلى احتلال سيناء عام 67، ولكن مصر استطاعت بمعركة العبور التي قادها السادات، أن تعيد إسرائيل عشرات الكيلومترات وراء القناة، ومن ثم إعادة افتتاحها عام 76 للملاحة البحرية الدولية..

لا نستطيع الآن أن نفكر في أن هذا التاريخ الذي نحمله كان يمكن أن نوفر مآسيه في حال عدم حفر قناة السويس، لأن قناة السويس برغم الأطماع فيها وحولها، كانت عنصرًا أساسيًا في اقتصاد مصر، وعدم إيلائها الاهتمام الكافي أحيانا، يعد من الأخطاء الكبيرة التي ارتكبتها بعض الحكومات..

قناة السويس مصدر مهم للدخل في مصر، والمشروعات بداخلها وعلى ضفافها وتحتها وفوقها إذا طبقت بعقلية إدارية ناجحة، سوف تحول للموازنة العامة في البلاد أموالا طائلة، وأظن أن الاتجاه السائد لدى الدولة حاليا، وأتمنى أن يكون بوتيرة أسرع، هو تحويل القناة إلي مصدر متجدد ومتزايد في الدخل القومي للبلاد..

وأظن أن هذا الأمر سيكون مسار مناقشة في الأمسية الاحتفالية لمكتبة الإسكندرية، وأن المشاركين - وهم أسماء لها وزنها - سيطرحون أفكارًا كثيرة عن مستقبل قناة السويس الذي هو أهم الآن من مسألة جدارة شقها من عدمه..

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: