أحلام العلماء، كأفلام الخيال العلمي، تتجاوز حدود الخيال أحيانًا، لكن بمرور الزمن قد تظهر كحقائق علمية؛ فمثلا، منذ بدء الدراسات الجينية عام 1970، وما تلاها من إنجاز في وضع الخريطة الوراثية، حتى ظهرت نتائج علمية بشكل ثابت في القرن الحالي..
من هذه النتائج أن جميع الأمراض ذات منشأ جيني، وأن الأمراض المُستعصية هي نتيجة لتفاعل العديد من الجينات مع الوسط المحيط لها في الجسم البشري، فلا يكفي، مثلا، أن يكون شخص ما مدخنًا حتى يصاب بسرطان الرئة، بل يجب أن يصاحب ذلك حمله للمورثة المسئولة عن إحداث السرطان، وهذا ما يفسر أن كثيرًا من المدخنين قد لا يصابون بسرطان الرئة.
هذا التحدي لاكتشاف الأصول الوراثية للأمراض، كان حافزًا لأن يرصد المركز الوطني الأمريكي أكثر من 26 مليار دولار!!!!؛ مما منح آمالًا جديدة في المعالجة الجينية، خاصة بعد ظهور نظريات بدأ التحقق منها عمليًا، والتي تسمح باستنساخ الأعضاء عن طريق زرع الخلايا الجذعية، مما يحل مشكلات الرفض المناعي للأعضاء المزروعة، وما يرافقها من أعراض أو الوفاة قبل الحصول على العضو المناسب، وهى أبرز المشكلات التي مازالت تواجه عمليات زرع الأعضاء حتى اليوم.
ولن يكون من المستغرب في المستقبل، وقبل انتصاف القرن الحالي، أن يتصل شخص ما مريض أو طبيبة لطلب عضو بديل لأحد أعضائه التي أصابها الفشل أو العطب، ويقوم زيارة المستشفى لدقائق لأخذ عينة من خلاياه، ثم الانتظار ثلاثة أشهر للحصول على طلبه، عندها يتسلم (كبد، بنكرياس، كلية، مفصل، عين ….) تم تصنيعها من خلاياه معمليًا!!
وهناك من الآمال التي يسعى العلماء لتحقيقها ما لا يمكن حصره، ومنها شخصنة الدواء، بمعنى أن وصف الطبيب للدواء يجب أن يرتبط بالتصوير الجينى الحيوي لكل مريض، ما يعني تلافي الأعراض الجانبية للأدوية، حيث تبين أن شخصًا من كل 15 شخصًا من مرضى المستشفيات يدخلونها نتيجة التأثيرات الجانبية للدواء.
ومن الآمال الواعدة كذلك إمكانية شفاء بعض الأمراض العصبية كالشلل؛ مثلا، وقد فتح فريق بحث ياباني بجامعة جيكاي بطوكيو الباب واسعًا أمام حل مشكلة الشلل، فبعد 20 عامًا من البحث تم تطوير طريقة علاجية جديدة للتخفيف من آثار الشلل الناتج من السكتة الدماغية حتى لو مر على حدوثه أكثر من 6 أشهر.
الجديد في الموضوع أنه أصبح هناك الآن طريقة علاجية جديدة تسمى التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة، وفيها يتم تعريض الدماغ لنبضات مغناطيسية عن طريق جهاز TMS المثبت على الرأس من الخارج لتحفيز الدماغ على إنشاء مسارات جديدة لنقل الإشارة من الدماغ إلى الأجزاء المشلولة.
وقد ساعدت تلك الطريقة الجديدة حوالي 90% من المصابين بشلل جزئي الذين تم علاجهم بهذه الطريقة على استعادة جزء كبير من حركتهم وقدرتهم على الكلام، وبعض هؤلاء المرضى قد مرت سنوات على إصابتهم بالسكتة الدماغية.
في محاولة لاستشراف المستقبل طرحت مجلة "نيو سينتست" العلمية الشهيرة رؤيتها لأهم 50 فكرة تشغل اهتمام المجتمع العلمي والبحثي في كافة أرجاء الأرض، ومن بين هذه الأفكار سعى العلماء لعمل لقاح واحد ضد كل فيروسات الإنفلونزا، وبالتالي يمكن الحصول على لقاح ضد الإنفلونزا مرة واحدة في العمر وإسقاط المرض من الذاكرة مدى الحياة.
ومن التحديات الكبرى التي تواجه العلماء محاولة فهم كيف تتحاور خلايا المخ فيما بينها، وهى من المسائل المعقدة جدا التي يصعب حتى تخيلها، فالمخ يتكون تقريبا من 100 مليار خلية عصبية، وكل خلية عصبية تتصل بأكثر من 10آلاف خلية أخرى في الوقت نفسه، وبالتالي فإن شبكة نقل المعلومات بين خلايا المخ هي الأعقد والأصعب في الفهم أو الرصد حتى اليوم.
وحاليا تجرى الأبحاث على الحيوانات باستخدام الميكروسوبات الدقيقة في محاولة لرصد الإشارات المخية التي تتكرر بين عدة خلايا عصبية، بما يتيح رسم خريطة لمسارات المعلومات بين المراكز المختلفة للمخ، وهى مسألة ستستغرق سنوات طويلة، وعمل خريطة المخ هذه سيمكن العلماء من فهم أمور كثيرة، منها اختلاف سلوكيات البشر من شخص لآخر.
أيضًا، يتوقع العلماء أن تجتاح العالم ثورة علمية وصناعية تعتمد في الأساس على تطبيقات النانوتكنولوجي، وهى ببساطة تعتمد على اكتشاف الخواص الكيميائية والفيزيائية للمعادن بعد تكسيرها لأحجام بالغة الدقة، ويمكن في المستقبل القريب أن نصل عبر هذا العلم إلى حلول غريبة، حيث تجرى حاليًا تجارب لصناعة شاحن من جزيئات النانو وزرعه في أسفل الحذاء ليحول الطاقة الحركية إلى كهرباء يمكن الاستفادة بها لشحن الهاتف المحمول!، كذلك يمكن بنفس التقنية إنتاج ملابس غير قابلة للاتساخ أو دهانات حوائط تحول الطاقة الشمسية إلى كهرباء!.
فهل ستتحقق هذه الآمال التي تستهدف تحسين نوعية حياة البشر، والتي يتوقعها العلماء بأن تكون حقائق ملموسة مع عام 2030 ؟.. وهل سيتماشى الحس الأخلاقي مع التطور العلمي أم سيحدث التواء في هذه الأبحاث للاستفادة منها لأهداف غير شرعية كاستنساخ البشر أو تسيسها للإضرار بصحة شعوب بعينها، وتحويلها إلى حقل تجارب لمصلحة أجندات الدول الكبرى ؟