إن سياسات القبول بالجامعات تحتاج لإعادة نظر شاملة، وأن تخضع لاحتياجات المجتمع الفعلية، وليس بهدف الرضاء الشعبي الزائف؛ بمعنى أن سياسات التوسع في قبول الجامعات لأعداد تفوق قدرتها على إعداد خريج مميز في سوق العمل لمجرد خفض درجات القبول بالجامعات؛ ولأن الكليات العملية تحتاج لميزانيات كبيرة للمعامل والتدريب وخلافه.
فتكون النتيجة خريجين لا تحتاجهم سوق العمل، ومزيدًا من البطالة، وإهدارًا لثروة المجتمع البشرية والعلمية والمادية، وهذا يعكس مشكلتين الأولى ضعف الإمكانات المادية، والثانية زيادة عدد الطلاب على قدرة الجامعة؛ مما يستلزم البحث عن مصادر للتمويل والتوسع في التعليم الفني الذي يحتاج لمناقشة مستقلة، وهناك العديد من الأفكار التي تحتاج للحوار المجتمعي منها ما يلي:
1- التزام الدولة بنسبة ميزانية التعليم المقررة في الدستور، بل والعمل على زيادتها؛ لأنه لا تنمية أو تقدم بدون تعليم جيد، والدراسات الحديثة للبنك الدولي تؤكد أن عائد الاستثمار في التعليم يصل إلى سبعة عشر ضعف، وأعلى من أي استثمار آخر ونهضة الصين وماليزيا والنمور الآسيوية كانت من خلال الاستثمار الكبير في التعليم؛ ولذلك يقول غاندي: "يجب أن ننفق على التعليم كثيرًا؛ لأننا فقراء"، كما أن مجانية التعليم بمستوى جيد في الخمسينيات والستينيات، هي السبب الأول في أن تحويلات المصريين بالخارج التي تتعدى الآن 20 مليار دولار سنويًا، ويؤكد الخبراء أن مصر بحكم موقعها وأبنائها وتاريخها تستطيع أن تزيد وتضاعف من تحويلات المصريين في الخارج من خلال زيادة الاستثمار في البشر، وخاصة التعليم والصحة؛ لأن معظم الدول المحيطة في حاجة لهؤلاء؛ فالمصري المتعلم هو أفضل ثروة في الداخل أو في الخارج.
2- ترشيد مجانية التعليم من خلال أن يتحمل كل طالب راسب نصف تكاليف الدراسة في أول سنة بعد رسوبه، ثم يتحمل التكاليف كاملة في حالة تكرار الرسوب، ويمكن منح الطلاب غير القادرين هذه المصروفات كقرض يسدد قبل تسلم الشهادة.
3- إلغاء التعليم المفتوح وإعادة نظام الانتساب الموجه؛ بحيث يكون نفس مقررات وامتحانات الطلبة المنتظمين، مع تركيز للمحاضرات في أيام الإجازات ويتحمل الطلاب مصاريف الدراسة كاملة.
4- إلغاء الصناديق الخاصة وكافة المكافآت والحوافز بعد تعديل الأجور لكافة العاملين.
5- على طلاب الثانوية العامة المتقدمين للجامعة - وهم حاصلون على شهادتهم من مدارس خاصة - أن يدفعوا للجامعة ربع مصاريف آخر سنة في المرحلة الثانوية أو مبلغ معين؛ مثل أربعة آلاف جنيه للمدارس الخاصة، وضعف المبلغ للمدارس الدولية أو أي شكل آخر للمساهمة، وحسب مصاريف المرحلة الثانوية.
6- فرض ضريبة نحو عشرة في المائة من مصروفات التعليم الخاص الجامعي وغيره بكافة أشكاله، تحول لوزارة التعليم العالي؛ للمساهمة في دعم التعليم الحكومي.
7- الجامعة يجب أن تمتد خداماتها للمجتمع المحلي من خلال توفير خدماتها بمقابل مادي؛ مثل دورات دراسية بشهادات في اللغات وعلوم الحاسب والكمبيوتر.. وغيرها من خدمات طبية واستشارات نفسية وأسرية واجتماعية.. وغيرها لخدمة المجتمع المحلي.
8- الكتاب الجامعي مسئولية الجامعة؛ بمعنى أن الجامعة هي التي تقرر بداية مراجع أي مقرر بالتعاون مع الأقسام المتخصصة، ثم تكون الجامعة هي الجهة الوحيدة لشراء الكتاب من الأستاذ نظير مكافأة مجزية للأستاذ، بعد تحكيمه وقبوله علميًا، ويصبح للجامعة الحق في بيعه بعد ذلك للطلاب، وهذا معمول به في عدة جامعات خارجية؛ حتى لا يتاجر الأستاذ بكتبه، وهي غير محكمة أصلًا.
9- حقوق أعضاء هيئة التدريس يجب أن ترتبط بواجباتهم؛ بمعنى أن يكون هناك أكثر من نظام، فهناك تفرغ تام للجامعة يحصل على كافة حقوقه في مقابل التزام تام بواجباته، والتي يمكن قياسها أو مراقبتها من خلال عدة محاور تشمل متابعة للسنوات الثلاث السابقة لعضو هيئة التدريس في المحاور الآتية:
• عدد ساعات التدريس أسبوعيًا.
• عدد الرسائل التي يشرف عليها في مرحلتي الماجستير والدكتوراه.
• عدد الأبحاث العلمية المقبولة للنشر في السنوات الثلاث الأخيرة، وكذلك الكتب المحكمة من خلال الجامعة، أو أي جهة أكاديمية أخرى.
• عدد الأبحاث العلمية الممولة التي يشارك فيها في السنوات الثلاث الأخيرة لخدمة المجتمع.
ومن يتفرغ تفرغًا تامًا للجامعة يمنع قانونًا من مزاولة أي عمل آخر خارج الجامعة، ويحصل على راتب التفرغ الكامل، ومن لديه أعمال أخرى خارج الجامعة مثل مكتب أو عيادة أو خلافه يخضع لنظام آخر؛ حتى لا يتساوى من يعمل بكامل جهده بغيره الأقل في المجهود، وبالطبع معاقبة السناتر والدروس الخاصة، وأي عمل غير رسمي خارج الجامعة.
هذه مجرد أفكار مبدئية يجب أن تخضع لنقاش مجتمعي، وبين أعضاء هيئات التدريس في كافة الجامعات، بحضور الطلاب والخبراء؛ للوصول لأفضل السبل للنهوض بمصرنا الحبيبة.. والله الموفق.