Close ad

الأرض لهم والهاشتاج لنا

15-5-2018 | 16:21
نشكر الله العلي القدير على ما أنجزناه، كما نتمنى أن نسير قدمًا فيما حققناه من خطوات على طريق المكاشفة والمصارحة، وعلى الرغم من الصخب الدائر والزعيق الحاصل، إلا أن المردود في النهاية يستحق، ولا ينكره إلا جاحد.

فبعون الله وبفضل قدرات خارقة للحراك الجبار الدائرة رحاه على الشبكة العنكبوتية، تمكن هاشتاج "القدس عاصمة أبدية لفلسطين" من أن يضمن لنفسه مكانة على قائمة التريند، كما أدت الأحداث الدائرة في فلسطين على مدار الساعات القليلة الماضية إلى تخلي البعض عن الإفتاء والإفتاء المضاد في شئون أسعار تذاكر المترو، وهل هي ضرورة حتمية ترقى إلى مكانة الفرض، أم كانت اختيارًا يعكس سوء سياسات لا يمكن اعتبارها إلا اجتهادًا كانت قلته أحسن.

وكما شهدنا جميعًا - وربما اشتركنا - فقد تبادلنا الاتهامات وألقى كل منا النعوت والصفات التي اعتبرناها دونية لنصف كل من خالفنا الرأي في مسألة المترو وأسعاره، وها هي أحداث فلسطين من نقل لسفارة الدولة الأقوى في العالم إلى القدس، واشتباكات مضنية أدت إلى وقوع عشرات الشهداء من أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل تزحزح الإفتاء وتحرك الهاشتاج من "مصر مقبرة المصريين" بسبب أسعار التذاكر أو "سعر التذكرة عادل" (بالنسبة للمدافعين) لتزحف صوب فلسطين وما يدور فيها.

وما يدور في فلسطين ليس جديدًا أو غير اعتيادي، وإلا لما رأيت المواطنين العرب في العواصم والمدن العربية يمضون في حياتهم قدمًا وكأن شيئًا لم يكن، والاعتياد هنا ليس على سبيل التقليل من شأن ما يجري، أو التهوين من حجم ما يحدث، لكنه بغرض التوصيف الدقيق لما آلت إليه الأمور.

الأمور في العالم العربي (إن صح التوصيف) تشير إلى أن كلا منشغل ببلوته، بمعنى آخر، جانب كبيير من المواطنين العرب غارق فيما هو فيه؛ إما من اقتتالات داخلية، وفتنة خارجية، وحرب مذهبية إقليمية، ومحاولات إقامة خلافة متأسلمة، ومصاعب اقتصادية داهسة تقضي على الأخضر واليابس... إلى آخر القائمة التي يمكن تحديثها على مدار الساعة استنادًا لنشرة الأخبار.

أخبار ما يجري في فلسطين وقعت على كثيرين وقعة مهولة، وبدلًا من التدوين المعتاد على أثير "فايسبوك"؛ حيث تحليل وتفنيد وتفتيت ما يجري داخليًا باعتباره شيخ مشايخ المعرفة وأسطى معلمي التنوير، انتقل البعض للدق على أوتار العروبة المغدورة، والأنظمة العربية المهدودة، والشعوب العربية العاجزة، وهاتك يا ندب ولطم وجلد ذاتي وخارجي.

مرة أخرى، ما يجري في فلسطين يستحق ما هو أكثر بكثير من الندب واللطم، وجميعنا يعلم ذلك، فلا اللطم يومًا حرر بلادًا، أو الندب قضى على استعمار، وقد جرت العادة العربية أن يتم تبادل الاتهامات ورشق بضعنا بعضًا بالشماعات في كل مصيبة؛ كتلك الجارية في فلسطين بينما نتحدث، فجيش الدولة "الفلانية" كان عليه تحرير الأرض وتطهير العرض، وحكام الدول "العلانية" كان حريًا بهم ضخ أموالهم الكثيرة والمساهمة باستثماراتهم العديدة كأداة ضغط على الدول المنيعة التي تدعم الكيان الصهيوني الغاشم القاتل، وأبناء هذه الأمم كان عليهم أن يوحدوا الصفوف ليدكوا الرؤوس التي أدت إلى ضياع الأرض، وهلم جرا.

كما جرى العرف أن تعقب كل موجة من موجات التراشق بالشماعات موجة أخرى مماثلة لها في القوة والبأس؛ لكن معاكسة في الاتجاه، حيث يقوم كل من تم رشقة بشماعة بالرد عليها وتفنيدها، وإثبات أن الراشق هو من فرط في الأرض، وما المرشوق إلا ضحية.

الضحايا العرب لا يعدون أو يحصون، وليست مبالغة إن قلنا إن الأغلبية المطلقة منا ضحية مسكينة تستحق الرثاء والعطف والطبطبة، صحيح أن البعض من الخبثاء الأشرار يشيعون عنا أننا نثير الشفقة نعم؛ لكن مع الشفقة يأتي الغثيان كذلك، لكن ما علينا، فالمحصلة النهائية واحدة.

وفي رأيي المتواضع هو أن الشعوب التي تعتقد أنها بنضالها العنبكوتي، والتراشق بالشماعات عبر الأثير، وتحميل مهام تحرير أرض وتطهير عرض لآخرين وليس لأصحاب المسألة، والتغاضي عن الأسباب العلمية والعوامل العملية التي تقول بالفم المليان "أنا السبب الرئيسي فيما هو حادث الآن" هي شعوب مسكينة وقعت ضحية منطقها السطحي وأحبالها الصوتية المتغلبة على خلاياها الدماغية.

الأدمغة العربية لا تقل حنكة وقدرة وكفاءة عن أقرانها من الأدمغة، ولكن انغماسها ها هنا حيث التراشق بأبيات الشعر، والنضال بالزحف العنكبوتي، وحجز مكان في الجنة عبر توقيع عقد تنازل ملكية مخ للشيخ الفلاني أو عالم الدين العلاني، واعتبار الجار المسئول الأول عن تحرير الدار يجعل منها أدمغة افتراضية، فهي تعتبر نجاح هاشتاج يضمن القدس عاصمة لفلسطين نصرًا عظيمًا وفوزًا صريحًا، وتتعامل مع جيش مصر باعتباره المسئول الأول والأخير عن تحرير ما يضيع من ممتلكات وما ينهب من ثروات، وتنظر إلى مقولات منقولة عبر عقود عن تحول القدس عاصمة لإسرائيل في اليوم الذي توافق فيه السعودية وتصمت مصر، بل يظل هناك من مازال يصدق النصابين والمحتالين الذين أنشدوا يومًا "على القدس رايحين شهداء بالملايين"، وهي تتعامل مع ما سبق، وكأن أحداثًا جسامًا وتطورات كبارًا لم تدر رحاها على مدار ما يزيد على سبعة عقود أصبحت خلالها إسرائيل ما أصبحت، وأصبح خلالها العرب ما أصبحوا، كاشفوا أنفسكم تصحوا.
كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الحداية والكتاكيت و"أونروا"

الحداية والكتاكيت و"أونروا"

من ألماظة لميدان سفير

من ألماظة لميدان سفير

"صلاح".. وتوليفة القوى الطاردة

"صلاح" وتوليفة القوى الطاردة

خروف ببدلة ومعايدات مليونية

خروف ببدلة ومعايدات مليونية

مراكز الشباب والإنقاذ السريع

مراكز الشباب والإنقاذ السريع

هويتنا المسلوبة

هويتنا المسلوبة بعد الربيع العربي في يناير 2011

البشر وطريق السويس

أقطع طريق القاهرة السويس من الشروق ومدينتي إلى مصر الجديدة ووسط القاهرة والعودة يوميًا؛ لذلك أعتبر نفسي مرجعية في هذا الطريق، لا سيما أنني لا أكتفي بمجرد

قليل من التدقيق لا يضر

في هذا المكان قبل سبعة أسابيع بالتمام والكمال، كتبت مقالاً عنوانه "إشاعات شائعة"، وبرغم أن الأجواء العنكبوتية والأحاديث الشارعية حينئذ لم تكن قد بلغت ما

سكان يسيرون على أربع

سكان يسيرون على أربع إنهم الكلاب والقطط والدواب

كثرة غثاء السيل

إنجاب الأبناء والبنات سمة من سمات البشرية، وتحديد العدد صفة من صفات العقلاء.

تعدية الشارع

"تعدية الشارع"! عبارة تبدو قصيرة وتقدم نفسها باعتبارها تحصيل حاصل، ليس هذا فقط، بل إن البعض يتعامل معها وكأنها سمة طبيعية من سمات الحياة اليومية، لكن كلا

عن الكرة والشارع والرمز

الغضب والحزن والهري ستستمر أيامًا، ثم ما تلبث أن تذهب إلى حال سبيلها، ولن تعود إلا بحدوث موقف أو موقعة أو حادث مشابه لتعاود عملها بكامل عدتها.