11-5-2018 | 00:09
ذكر الله تعالى في قرآننا المقدس الثراء، ضاربًا مثلا صريحا لأغنى أثرياء العالم قديمًا وحتى تقام الساعة بقارون، فكان مما ذكره ربنا الكريم قوله: "إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ).
فكان قارون متكبرًا على قومه، اختلفت الأقوال في سبب ثرائه، فمنها أنه كان يحول النحاس ذهبًا بمعاملات كيميائية، ومنها أنه كان يقوم بأعمال غير مشرعة لقربه من فرعون وهامان، ثم كانت عاقبته بأن خسف الله به وبماله الأرض ليكون عبرة لمن يعتبر.
تذكرت قصة قارون بعد أن سمعت نقاشًا يدور بين اثنين كنت جالسًا معهما، حول ثروات الأغنياء في بلادنا العربية فقط، وكيف أن زكاتهم فقط تكفي الإنفاق والتوسعة على فقراء ومعدمي البلاد العربية والإسلامية، وكل معوزي العالم من المسلمين وغيرهم، ثم رأيتني بفضول الصحفي والإعلامي أبحث في ثروات أثرياء العالم؛ وخاصة ممن يقعون في منطقتنا - الشرق الأوسط - فإذا بي أجد تقريرًا نشره موقع "رصيف22" الإلكتروني في السابع من أبريل الماضي تحت عنوان "حقائق جديدة عن أثرياء العالم.. وهذه تصنيفاتهم في الشرق الأوسط".
أورد فيه - راصدًا - أن مستويات الثروة حول العالم في تحسن مفاجئ، وأن تطلعات ورغبات أثرياء الشرق الأوسط تتزايد بشكل كبير لنقل استثماراتهم إلى الخارج، لاسيما مع التوترات الجيوسياسية التي تشهدها منطقتهم، جنبًا إلى تزايد مستويات الثروة في الشرق الأوسط.
شركة أبحاث "نايت فرانك" التي أجرت البحث وقبيل إعداد تقريرها، استعانت باستطلاع رأي خمسمائة من كبار رجال المال والاقتصاد ومستشاري الثروات في العالم، بثروة تقدر بأكثر من ثلاثة تريليون دولار، تمثيلا لأكثر من خمسين ألف عميل، شكلت مساحة أثرياء العالم ككل تسعة وعشرين ومائة ألف سبعمائة وثلاثين ثريًا، بثروة قيمتها ستة وعشرين فاصل أربعة تريليون دولار، وهم من يبلغ متوسط ثرواتهم الصافية خمسين مليون دولار فأكثر، ضمت منطقة الشرق الأوسط وحدها أربعة آلاف وسبعمائة وأربعين ثريا.
في مقدمة أثرياء المنطقة تحتل المملكة السعودية بعدد أربعين وخمسمائة وألف ثريًا، ثم الإمارات بعدد ستمائة وستين ثريًا، ثم تركيا بعدد ستمائة ثرى، أما الصدارة العالمية فقد فازت بها الولايات المتحدة القائمة عالمياً من حيث عدد الأغنياء، بـثمانية وثلاثين ألف وخمسمائة ثري، وفي القارة السمراء أفريقيا رصد التقرير وجود ألف مائة وتسعين ثريًا، منهم مئتان في مصر وخمسمائة في جنوب إفريقيا، وتوقع التقرير أن يزيد عدد أثرياء الشرق الأوسط بحلول عام 2022إلى ستة آلاف وأربعين ثريًا، بزيادة عددهم في تركيا بنسبة 40% والإمارات 38% والسعودية 14%، بينما يتجمد معدلهم في مصر.
ولك أن تعرف قارئي الحبيب بذكر أثرياء مصر، أن مجلة فوربس العالمية المتخصصة في رصد وتتبع ثروات وأخبار المشاهير أوردت في تقرير لها أن ناصف ساويرس رجل الأعمال المصري احتل رأس قائمة أغنى أغنياء مصر في هذا العام، بثروة 6.6 مليار دولار، بزيادة قدرها مليار دولار عن العام الماضي، ثم نجيب ساويرس رجل الأعمال في المرتبة الثانية لأغنياء مصر بثروة أربعة مليارات دولار، ثم محمد لطفي منصور وزير النقل الأسبق، في المرتبة الثالثة بـ2.7 مليار دولار، ثم ياسين منصور رجل الأعمال بـ1.9 مليار دولار، ثم محمد الفايد رجل الأعمال المصري المقيم في بريطانيا بـ1.6 مليار دولار، ثم يوسف منصور بـ1.4 مليار دولار.
من طرائف تقرير "نايت فرانك" أنه يتساءل عن ماذا يفضّل الأثرياء؟، فيجيب أن الذي يفضله الأثرياء فئة العقارات، وأن أموالهم غير المصرفية تتجه خارج بلادهم، خاصة دولتي الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، لافتة إلى عائلات غنية من السعودية لديها استثمارات عقارية صناعية في ثلاث مدن صينية، كما تعد الإمارات أيضا وتركيا في قائمة وجهات الاستثمار العقاري العالمية المفضلة لفائقي الثراء في الشرق الأوسط، وأن أصحاب الثروات الصافية في الشرق الأوسط يحتلون المركز الأول عالميًا من حيث عدد العقارات السكنية التي يملكونها، بواقع أربعة منازل لكل منهم، خاصة في مدينتي باريس وبرلين.
أما الذين يمتلكون طائرات خاصة من أغنياء الشرق الأوسط، وخاصة في إفريقيا فقد بلغ عددهم خمسمائة وأربعة عشر ثريًا، تمثل مصر فقط منها أربعمائة وستة وسبعين ثريًا مصريًا، ثم تأتي السعودية في المرتبة الخامسة من حيث امتلاك اليخوت الفخمة بـثمانية وخمسين يختًا.
ومع كل ما سبق ذكره - اللهم لا حسد لأحد - ومع ما تبثه فضائياتنا من إعلانات سادرة في تلك الأيام المباركة عن تفطير عشرة ملايين صائم، واكفل يتيمًا، وشارك في تعمير قرية معدمة وتوصيل المياه إليها، والسداد عن الغارمات، وإعلانات مستشفيات القلب والأورام المنشأة في العديد من محافظاتنا المختلفة، أجدني مناشدًا كل ذي قلب رحيم من أثريائنا أن يوجه نظر عطفه ورحمته إلى كل ما سبق ذكره، وأن يعطي وينفق كل من سبق له الحج ثمن حجته لمثل تلك الحالات المسكينة، وأن ينظر كل منا إلى إكرام ومنِّ الله عليه، و"ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء".. حتى يديم علينا الله فضله.
كلمات البحث