بعد أقل من 30 عامًا من بدء انتشار المحمول، بلغ عدد مستخدميه في العالم اليوم 7 مليارات، من إجمالي سكان العالم "8 مليارات"!!..
في حين أنه بعد 138 عامًا من حصول توماس إديسون على براءة اختراع نظام توزيع الكهرباء، تُعلن الهند السبت الماضي 28 من أبريل 2018 يومًا تاريخيًا في مسيرة التنمية، بعد ربط آخر قرية في أقصي شمال البلاد بالكهرباء..
مقارنة ربما يراها البعض غير منطقية، لكن بالنظر إلي حاجة البشر المُلحة للكهرباء، وهوس البشر بوسيلة اتصال لها بدائل عديدة لا تشكل أدني خطورة عليهم كالهاتف العادي، والفاكس، والتلغراف، لابد أن تضع ألف علامة تعجب!!
فاليوم، يعاني ملايين البشر إدمانًا من نوع جديد.. المخدر الإلكتروني لهذا الزمان.. إنه الهاتف المحمول، الذي لم يعد مجرد وسيلة للتواصل مع الآخرين فقط، مثلما كان هو حال التليفون المنزلي العادي، بل أصبحت تستخدمه في إنهاء ومتابعة أعمالك، أو في مجال دراستك، أو في الترفيه من خلال الألعاب، أو مشاهدة الأفلام، وسماع الأغاني، ومواقع التواصل، مثل (فيسبوك، تويتر، وغيرها).
لذا، يكاد البعض يصاب بحالة هلع، إن وضع يده علي جيبه ولم يجده.. فإن كنت من الذين يتفقدون الرسائل الإلكترونية أو النصية أو المكالمات التي لم تجب عليها، وتتأكد من شحن البطارية باستمرار، مع عدم قدرتك علي إغلاق الهاتف وقت الصلاة أو التخلي عنه حتى أثناء دخول الحمام، فأنت مُصاب بهوس المحمول…!!
هذا الهوس أوجد قائمة من الأمراض، منها النوموفوبيا "Nomophobia" وهو الشعور بالخوف من فقدان المحمول، أو التواجد خارج نطاق تغطية الشبكة، ولا غرابة في ذلك، إذا علمنا أن الكثيرين يتفقدون هواتفهم المحمولة بمعدل 34 مرة في اليوم، و75% من الناس يستخدمون هواتفهم وهم في الحمام، وفق دراسة نشرتها صحيفة "الدايلي ميل" البريطانية!.
وظهر مصطلحان غير طبيين، تم استخدامهما لوصف التشنج الذي يصيب الأصابع والعضلات نتيجة الاستخدام المفرط للمحمول، هما ما يعرف بـ مخلب النص"Text Claw"، ومرفق الهواتف الذكية "Cell Phone Elbow"، فالتعامل المستمر مع تطبيقاته قد يصيبك بالتهاب في الأوتار ووخز أو خدر في الأصابع نتيجة انحناء المرفق لفترات طويلة.
وطريقة استخدام الهواتف المحمولة ضارة جدًا على الصحة العامة، فوضعية انثناء الرأس والرقبة أثناء استخدام الهاتف تسبب إجهادًا زائدًا على عضلات الرقبة، لذا فإن 84% من الشباب يعانون من آلام الظهر والرقبة وهم في عمر 18-24 سنة، وفق دراسة بريطانية!
فعندما تكون الرأس مستقيمة على الرقبة، لا يزيد وزنها على الرقبة على 4.5 كلجم، لكن إذا انحنيت للأمام بمقدار 11 درجة يصبح وزن الرأس على الرقبة 12 كلجم، وإذا انحنيت للأمام أكثر بزاوية 45 درجة يصبح ثقل الرأس على الرقبة والجسم كله 22 كلجم، هذه الوضعية تكون مع كثرة استعمال المحمول في التصفح وإرسال الرسائل، وظهر لها مصطلح مرضي هو Text Neck، ويعني الإضرار بعضلات الرقبة بسبب سوء استعمال المحمول.
ولأن هوس الهاتف بلغ بنا مبلغه، صار من المعتاد أنه حين يقرر شخص ما الخلود إلى النوم، يقضي بعض الوقت مع هاتفه المحمول، هذه النسبة تزداد عند الشباب، وبرهنت على ذلك دراسة على طلاب جامعة ستانفورد، اتضح أن 75% منهم يصحبون هواتفهم المحمولة معهم عندما يذهبون إلى النوم..
فإذا كنت مثل هؤلاء، فأنصحك أن تترك هاتفك في مكان بعيد، لأن الضوء المنبعث من الهاتف المحمول يؤثر على إنتاج مادة الميلاتونين التي تساعد على النوم، مما يقلل من عدد ساعات نومك، ويسبب لك أضرارًا خطيرة..
فضوء شاشات الهواتف المحمولة يؤثر على هرمون الميلاتونين، الذي ينظم الدورة الخاصة بنوم الإنسان واستيقاظه، وهو ما يؤدي للعديد من المشاكل الصحية.
فهناك علاقة بين التعرض للضوء في الليل، واضطراب النوم المصاحب له، وزيادة خطر الإصابة بسرطان الثدي والبروستات، لأن الميلاتونين، وفق دراسة نشرها هذا الأسبوع علماء في معهد برشلونة للصحة العالمية، يعمل كمضاد للأكسدة، ويكبح نمو بعض الخلايا السرطانية، مثل خلايا سرطان الثدي أو سرطان البروستات؛ وهذا يعني أن قلة الميلاتونين تعطي تلك الخلايا السرطانية فرصة أكبر للنمو والتكاثر.
وهناك بعض الأدلة على أن إضاءة شاشات المحمول تؤثر في الإبصار من خلال الإضرار بشبكية العين، ويبحث العلماء الآن ما إذا كان الضوء الأزرق يمكن أن يسبب إعتام عدسة العين، لذلك أنصحك بأن تغلق هاتفك المحمول عند الذهاب إلى النوم، وأن تنام في الظلام ضمانا لسلامتك.
إنه داء ليس من المستحيل الشفاء منه، فقط قرر أن يكون جزءًا من يومك خاليًا من المحمول، وحاول التعرف على الناس من حولك حتى أسرتك، ساعتها ستكتشف أنهم أناس طيبون، وأن هاتفك المحمول ليس صديقًا وفيًا، كما تظنه!!