Close ad
3-5-2018 | 23:54

من أجلِّ القضايا وأعظمها أهمية، ولا أسأم أو أفتر من الكتابة عنها وحولها البتة، قضية "كراهية الإسلام"، تلك القضية التي أكاد أجزم يقينًا أنها تحتل شاسع مساحة عقلنا الفكري الجمعي لكل مفكرينا وعلمائنا، متصدي الدعوة لديننا، المتعاملين مع الغرب، رافعي راية الدفاع عنه، مزيلي اللبس والشبهات عن ثوبه الطاهر الطيب.

وبادئ بدء، من مقامي ومنبري هذا أكرر مؤكدًا مشددًا، أن إسلامنا ليس به سوءة وعورة نخجل منها لنغطيها ونسترها، وليس على رأسه "بطحة" لنلتفت حولنا يمنة ويسرة منها، كلما رمانا رام بشبهاته العدائية، وقذف ونضح آتون فكره السلبى المشوش بجهله الجهول.

نعم أعترف جلدًا للذات، وإحقاقًا للحق، أن هناك من السلوك غير السوى من بعض المسلمين، ما يصدِّر للوعي والعقل الفكري الغربي ما ينفر من الإسلام، ومعتقداته وأخلاقه، ولكم اعترف لي بذلك كل علمائنا بالخارج ممن أجريت حوارات معهم حول طبيعة المسلمين هناك، ونظرة الغربيين لهم، فكان مما قاله لي الباحث الروسي نيقولا سوخوف نائب رئيس معهد الاستشراق بأكاديمية العلوم الروسية للدراسات الشرقية "إيميسكلوب": "سلوك بعض المسلمين غير متناسق مع القواعد الحية الغربية، وبعض الأحزاب الأوروبية المتطرفة تستفيد من ذلك، ورسالتي لكل مسلم أن يعيش ويسير على الصراط المستقيم، ويقيم الإسلام فيه أولاً بأخلاقه وعباداته ومعاملاته ونصائحه"، وكان مما قاله لي فضيلة العلامة الدكتور إبراهيم أبومحمد مفتي أستراليا السابق: "بعضنا لا يزال يحمل أمراض التخلف وثقافة العبث، مما يمنح الآخرين مبررًا مجانيًا لإساءة الظن بنا وبديننا وثقافتنا، ولنصحح صورة الإسلام في الغرب علينا تصحيح صورتنا كأتباع له"، واعترافات علمائنا لي بصورة المسلمين النمطية في الغرب كثيرة، ولا يسعها المقام هنا.

ما دفعني لكتابة مقالي ذلك، تلك الورقة البحثية التي وقعت عليها عيني بعنوان "مواجهة ظاهرة كراهية الإسلام" للباحث المفكر الإسلامي القدير الدكتور محمد عمارة، والمقدمة منه لمنتدى الفكر الإسلامي بمجمع الفقه الإسلامي الدولي، عبر اثنين وعشرين ورقة في الحادي والعشرين من ديسمبر عام ستة وألفين، فلم اتركها إلا بعد التهامها وافتراسها قراءة وتمحيصًا وتفكرًا، فوجدته يقرر أن ظاهرة كراهية الإسلام والتخويف منه وعدائه، قديمة وطبيعية، نؤمن بها وفق ايماننا بسنن الله التي لا تبديل ولا تحريف فيها في قرآننا، المتمثلة في التدافع بين الحق والباطل، مستشهدًا بقول فضيلة العلامة محمد الغزالى - رحمه الله تعالى- القائل: "نحن نُضرب بعنف لأننا نستيقظ، لو كنا أمواتًا ما ضربونا بهذا العنف؛ لأن الضرب في الميت حرام"، ثم يستطرد عمارة قائلاً: القضية ليست أن نتعجب من الهجوم على الإسلام، وإنما نحسن رد هذا الهجوم، وإيضاح وبلورة البديل الإسلامي ليكسب أصدقاء وسط هؤلاء المهاجمين، وأنصارًا منهم داخل العالم الإسلامي، ولا يجد عمارة غضاضة ومشكلة في الإنسان الغربب، الذي يفتح قلبه وعقله لإسلامنا حين يعرض عليه بمنطق وموضوعية، موضحًا أن العداء يرتكز في مؤسسات الغرب المختلفة، السياسية، والدينية، والإعلامية، والحق ما صدح به مفكرنا الدكتور عمارة، استشهد في ذلك بقول المفكر والداعية الإسلامي الدكتور عويس النجار رئيس اللجنة العليا للإفتاء والشئون الدينية بكندا لي سلفًا: "الغرب يأخذ فكرته عن الإسلام من الإنترنت والقنوات المعادية".

وعندما استثنى الدكتور عمارة الإنسان الغربي من حقيقة وظاهرة العداء والكره والخوف الغربي من الإسلام، كان مجيدًا ومحقًا أيضًا، ونجح بالفعل من المسلمين هناك من ترجموا هذا الكره والخوف من الإسلام ومعتنقيه وفكره، إلى واقع مغاير تمام التغير، بأخلاق إسلامهم، وسمته، ومظاهره، وعباداته، وشعائره، لذا لا عجب أن نرى جريدة "الجارديان" البريطانية تفرد تحقيقًا موسعًا حول سلوك هؤلاء اللاعبين المسلمين، وتغييرهم النظرة السلبية في الغرب التي تكوّنت عن الإسلام، معلقة، وكما يذكر صديقي الكاتب السعودي عبدالعزيز قاسم في مقالته "الجارديان.. إذ تتغزل بمحمد صلاح"، بقولها: "تمتلك أغلب الأندية الكبيرة في إنجلترا نجومًا يظهرون انتماءهم للدين الإسلامي بشكل واضح، ممتزجة بشخصياتهم المثيرة داخل الملعب وخارجه، مما ساعد على تقبّل فكرة الإسلام عند الكثيرين من متابعي اللعبة في إنجلترا والعالم"، بل تفرد أيضًا سلوكيات باقي اللاعبين المسلمين بالملاعب الغربية، مثل سجدة "صلاح" في ليفربول، وقراءة "مسعود أوزيل" فاتحة الكتاب في الأرسنال، خافضًا رأسه بها قبل بداية كل مباراة، ودعاء "بول بوجبا" في مانشستر يونايتد، وصلاة "نانجو كانتي" في تشلسي، بل الأكثر من ذلك والمذهل حقًا، أن تعرض تلك الأهزوجة التي ترددها جماهير "الريدز" في ملعب أنفيلد في ليفربول، وهي تحيي نجمها المسلم محمد صلاح؛ في كل مناسبة يسجل فيها النجم المسلم هدفًا، بصوت عالٍ: "إذا كان جيدًا بالنسبة لك، فهو جيد بالنسبة لي، إذا سجلت أهدافًا أكثر، فسأصبح مسلمًا أيضًا"، لتختتم الأهزوجة بـ "هو جالس في المسجد، هذا هو المكان الذي أريد أن أكون فيه".

هكذا، بكل بساطة، بات هؤلاء اللاعبون المسلمون، بسلوكهم خير سفراء ودعاة لديننا الإسلامي، مزيلين بأفعالهم وتدينهم الراقي كثيرًا من مظاهر الكره والعداء والخوف من الإسلام، فأضحى الإنسان الغربى يقتدي بهم، ويدخل في دينهم برضا وحب تام، وتختم صحيفة الجارديان تقريرها عن اللاعبين المسلمين في بريطانيا مؤكدة بقولها: "وبالنسبة للمواطنين الذين لا يرون المسلم سوى شخص غريب الأطوار ومتحفظ، فهم يغيّرون رأيهم الآن".

من معطيات ما قدمه لنا اللاعبون عمليًا، سلفًا، أشدد أنه لابد أن ينطلق كل مسلم، في سبيل دعوته لدينه، في أي مكان وزمان كان، آخذًا بزمام المبادرة، من موقف المعتز بإسلامه، لا من منطلق المهزوم أو المأزوم في دينه وهويته.

اقرأ أيضًا:
المعذرة العملية لله ورسوله

المعذرة العملية لله ورسوله

ملتقى القاهرة الدولي الخامس للخط العربي

بادئ ذي بدء، أسجل عشقي وهيامي بفن الخط العربي كفن إسلامي أصيل يأخذ بالأفئدة والألباب قبل أخذ الأبصار، ذلك أنه حاضن رئيس لوعاء هويتنا العربية والإسلامية

عمارة.. ونشر علمه وفكره

عمارة.. ونشر علمه وفكره

صناعة التطرف والعنف .. بفيلم كارتون

أثار انتباهي هذا التقرير المنشور للزميلة إيمان عباس بـ"بوابة الأهرام" تحت عنوان (صناعة التطرف والعنف تبدأ بـ"قصة وفيلم كارتون".. والبرلمان يفتح الملف)،

تعلموا الحب الحقيقي

لا حديث الأمس واليوم وغدًا، يسيطر على عقول الكثير منا، إلا الحديث عن "عيد الحب"، "الفلانتين" والترتيب لإحياء ذكراه، لينعم فيه كل محب بحبيبه - حالمًا وواهمًا

القاهرة عاصمة للثقافة الإسلامية

في خبر سار يضاهي واقع ومكانة قاهرتنا وتاريخها الإسلامي التليد، أعلن في التاسع عشر من الشهر الماضي - وعبر المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو"-

الطيب.. والخشت.. وأهل الفتن

الطيب.. والخشت.. وأهل الفتن

الليبرالية .. التخلص من قيود السلطات الثلاث

الليبرالية .. التخلص من قيود السلطات الثلاث

حضارة نبينا.. نموذج عملي لحياتنا

عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وقلم الظفر، ونتف الآباط

متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟

عطفًا على حديثي بمقالي السابق "هذا هو الإسلام"، الذي تحدثت فيه عن حملة وزارة الأوقاف العالمية الدعوية "هذا هو الإسلام"، التي أطلقتها لهذا العام بأكثر من

هذا هو الإسلام

جميل، وبديع، ومثمن، صنيع وزارة الأوقاف حين أطلقت حملتها العالمية الدعوية لهذا العام "هذا هو الإسلام" بأكثر من عشرين لغة، بيانا لصحيح الإسلام للدنيا بأسرها،