تلتئم اليوم الأحد في الدمام القمة العربية الـ29، في ظل أوضاع عربية شديدة الصعوبة.. والسؤال المطروح هو نفسه سؤال القمم العربية في السنوات الأخيرة، ماذا يمكن أن تفعل القمة؟..
مما لا شك فيه، فإن القمم في فترات سابقة كانت تحقق الفعل وتتجاوب مع الشارع وتخرج بنتائج، ويتم الإصرار على تنفيذ قراراتها.. وأذكر في هذا الشأن قمة الخرطوم سنة 1967 ولاءاتها الثلاث الشهيرة: "لا سلام مع إسرائيل، لا اعتراف بإسرائيل، لا مفاوضات معها"، وهو القرار الذي تم تنفيذه بحذافيره حتى انتصار أكتوبر 73، وما جرى بعده من تداعيات.
أيضا قمة القاهرة سنة 1970 والتي أوقفت القتال في الأردن بين قوات المقاومة الفلسطينية والقوات المسلحة الأردنية.. وغيرها كثير حتى قمة القاهرة 1990 التي اتخذت قرارا بسحب القوات العراقية من الكويت، وإرسال قوة عربية مشتركة إلى الخليج، وما تبعه من مساهمة دول عربية عسكريا في الحرب..
بعدها حدث الشرخ كما توقع الرأي العام العربي.. وباتت الجامعة في خصام مع الشارع، ومع تراكم الخيبات في الملف الفلسطيني خرجت تساؤلات مفجعة، عما إذا كان بالإمكان تحويل الجامعة إلي جامعة شعوب أو منتدى للحوار..
وانكشف للرأي العام الكثير مما لم تنجح الجامعة في تحقيقه.. وفي مؤازاة التقدم المذهل للاتحاد الأوروبي الذي تمكن خلال عقد التسعينيات من إزالة جميع الحواجز وإطلاق العملة الأوروبية الموحدة، أحس الشارع العربي بالإحباط تجاه آماله في وطن عربي كبير.
بينما يعرف المواطن العربي أن الاتفاقات حول السوق العربية المشتركة سبقت القارة الأوروبية، وكذلك اتفاقيات الدفاع المشترك، وغيرها..
هذا هو النجاح الذي يأمله المواطنون العرب في كل مكان، ألا تُترك دولة عربية نهبا لأطماع خارجية، أو فريسة لأوضاع اقتصادية، وأن يتمكن العربي من الوصول أو حرية التنقل بين أقطاره المترامية الأطراف، ولا يظن أحد أن ابن خلدون حصل على تأشيرة مسبقة قبل أن يجول في العالم العربي يشاهد ويؤلف ويعلم.
حضرت الاجتماعات التمهيدية لقمة السعودية والتي بدأت من الرياض، وانتبهت إلى ما قاله الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط من أن الرأي العام العربي ينتظر من القمة العربية الكثير ويعلق عليها أملاً بأن تفتح باب الخروج من الأزمات المركبة التي واجهت العرب في السنوات الماضية، ولكن هل بإمكان القادة العرب أن يفعلوا شيئا أكثر من البيانات أو على الأقل ينفذون ما يأتي بها..
بالنسبة للشأن السياسي فإن القمة تنجح إذا ما ترجمت "الحفاظ على وحدة الأراضي السورية" و"رفض التدخل التركي في سوريا" والذي تحول إلى احتلال قرر متى يقتحم سوريا، ثم اشترط متي يخرج..
والترجمة واضحة وهي الطلب من تركيا الخروج فورا بلا قيد أو شرط، وإذا لم تخرج في مهلة زمنية محددة فإن دول القمة العربية تستدعي سفراءها في خطوة تصعيدية أولي.. وكذلك بالنسبة للتواجد التركي في شمال العراق.. وتنجح القمة إذا ما طالبت أمريكا ومن حولها بعدم التهديد بضرب سوريا تحت زعم استخدام دمشق أسلحة كيماوية من دون إبلاغ والكشف للعالم عن أدلة حقيقية.
فقد جري تدمير العراق بسبب مزاعم امتلاكه أسلحة دمار شامل؛ اتضح فيما بعد أنه لم يكن يملكها، وليس له قدرة على امتلاكها في أي وقت.
أما إيران التي توحشت وتجرأت علي العرب، الذين يتخذون في كل القمم السابقة قرارا بالطلب منها الانسحاب من الجزر الإماراتية الثلاث، ولم يضعوا آلية تنفيذ للقرار، فإنهم أفسحوا لها المجال للرهان علي النضال العربي بالصوت والصورة أحيانا..
وإسرائيل التي استفادت من كل أخطاء القمم العربية، ما كان يجب التهاون مع الداعمين لها، ما شجع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تنفيذ قرار نقل السفارة وهو قرار قديم لم يجد من ينفذه، إلا من هذا الرئيس الذي عرف كيف يتجرأ، وعرف أنه لن يدفع الثمن، بينما يتراجع أمام كوريا الشمالية لصلابة مواقفها.
وفي الشأن الاقتصادي، فإن السوق العربية لم تتحقق، ربط العواصم العربية بالسكك الحديدية لم يحدث، تفضيل العمالة والمنتج العربي لا يتم، الاستثمار في الدول العربية، التجارة البينية، والسياحة البينية، محكمة العدل العربية، وميثاق الشرف للأمن والتعاون العربي، وآلية جامعة الدول العربية للوقاية من النزاعات وإدارتها وتسويتها، والإسراع في إقامة منظمة التجارة الحرة العربية الكبرى.
كل هذه القرارات قديمة وأحدثها صادر منذ أكثر من 20 عاما خلت، من دون بادرة على تنفيذها حتى الآن.
لذلك اهتزت ثقة الشارع العربي في مؤسسة الجامعة وفي اجتماعات القمة، ويجب على القادة العرب استعادة الثقة المفقودة، وتحقيق التضامن العربي بكل العزم الممكن، وبرغم الافتقار إلى مقومات المقارنة بين حالة حظر النفط العربي عن الدول الداعمة لإسرائيل في حرب أكتوبر 73، والمقاطعة الرباعية لدولة قطر حتى تتوقف عن دعم الإرهاب، فإن هذا النهج الذي يتسم بالشدة، يجب أن يسود في القرارات العربية التي يجب أن تتخذ لتنفذ، ولا تتخذ فقط لإرضاء الشارع، لأن الرأي العام العربي لم يعد صالحا لهضم الأقوال البليغة من دون أفعال حقيقية على الأرض.