"دول الخليج الأكثر سعادة في المنطقة العربية"، تحت هذا العنوان، قرأت للدكتورة جيهان فرحات، رئيس رابطة المرأة المبدعة، تقريرها في مجلة رواد الأعمال، المنشور في الخامس والعشرين من مارس الماضي، بمناسبة اعتماد الأمم المتحدة في دورتها السادسة والستين عام 2012، يوم العشرين من مارس من كل سنة، يومًا للاحتفال بالسعادة على المستوى العالمي، أوردت فيه تقريرًا أصدرته "شبكة حلول التنمية المستدامة" التابعة للأمم المتحدة، واحتلال الدول الإسكندنافية المراكز الأولى في قائمة الدول الأكثر سعادة في العالم، وذلك على مستوى 156 دولة، ويصنف التقرير الدول انطلاقا من معايير رئيسية، تتمثل في حصة المواطن من الناتج المحلي، وحريته، ومتوسط عمره المتوقع، والدعم الاجتماعي المقدم له، فجاءت فنلندا الأسعد في العالم، بينما تراجعت النرويج- الأولى العام الماضي- إلى المركز الثاني هذا العام.
وفازت الدنمارك وسويسرا والنرويج وفنلندا، بالمراكز الأولى في جميع تصنيفات تقارير السعادة العالمية الستة، ثم ألمانيا في المركزالخامس عشر، متقدمة على الولايات المتحدة، التي تراجع تصنيف السعادة فيها، وعلى مستوى وطننا العربي، تصدرت دول الخليج المراتب الأولى، فاقتنصت الإمارات الصدارة بجدارة، محتلة المركز الـعشرين عالميا بعد بريطانيا، تلتها قطر والسعودية والبحرين والكويت.
وبنظرة إلى عوامل اقتناص دولة الإمارات المركز الأول عربيا وبجدارة، دون بقية شقيقاتها العربية، نرى أنها أسست مركزا، وظيفته وغايته الرئيسة، سعادة العاملين، وتعزيزالإيجابية الوظيفية، أطلق هذا المركز مجموعة مشروعات، هدفها الرئيس العمل على "مسرّعات السعادة" ؛ إذ جعلت الإمارات عنصر إسعاد العاملين جزءا رئيسا فيها، كهدف إنساني، وحقا مكتسبا لكل مواطنيها، والعاملين المقيمين على أرضها، ومنهج حياة؛ فكان سعيها الدؤوب لتصدير هذا الهدف، وتكريسه، على سلم أولويات عملها الحكومي، بل لم تكتف بما سبق، فقامت باستحداث وإنشاء أول وزارة للسعادة في العالم، جنبا إلى إطلاق ميثاق وطني يكرس ريادتها العالمية في هذا المجال.
وإذا كانت الأمم المتحدة - مشكورة - تفكر في سعادة مواطني العالم، تحقيقا للتنمية المستدامة، وقضاء على الفقر، وتوفيرالرفاهية لجميع شعوب العالم ماديا واجتماعيا، فإنه ينبغي الاعتراف فضلا وشكرا ومنَّة لديننا الإسلامي الحنيف أولا، بأن جاء لسعادة بنى البشر كلهم، وليس لأتباعه فحسب، فتمثل مفهومها في إسلامنا، كما أخبرنا الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، وقول رسولنا: (ليس الغنى عن كثرة المال ولكن الغنى غنى النفس)، وإخباره: (من سعادة ابن آدم: المرأة الصالحة، والمسكن الصالح، والمركب الصالح).
والسعادة في ديننا، سعادتان، دنيوية، تتمثل في قول سيدنا علي بن أبي طالب: "خلو الصدر من الغل والحسد، والسعيد من خاف العقاب فأمن، ورجا الثواب فأحسن"، وأخروية فيما أعده الله لعباده المتقين من جنان تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها جزاء ما أحسنوا في دنياهم الفانية.
ويستطيع كل منا أن يسعد في حياته ويهنأ، إذا أخذ بأسباب السعادة الحقيقية، إذ تختلف نظرة كل منا للسعادة على حسب ومفهوم مراده، فمن الناس من يتمثل السعادة في المال، ومنهم من يراها في القوة والسلطان، ومنهم من يراها في البنين والعزوة، غير أنني أراها كما أخبرنا عنها قدوتنا، فخر الكون في التفاؤل، الجالب للسعادة والسرور إلى النفس، المذهب عنها الهم والحزن، العامل على انشراح قلوبنا، القرين بتوقع الخير بحسن الظن بالله عز وجل، مصداقا لقوله: "إن الله عز وجل يقول: أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن بي خيرا فله، وإن ظن شرا فله"، وقول : "يُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الصَّالِحُ الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ"، وكما في الفأل من تقوية للعزم، وباعث على الجد، ومعونة على الظفر" كما يقول الماوردي.
من خلال تجاربه الشخصية، يؤكد الدكتور الراحل إبراهيم الفقي، خبير التنمية البشرية - رحمه الله - في كتابه "حياة بلا توتر"، أنه لا يوجد إنسان تعيس، ولكن توجد أفكار تسبب الشعور بالتعاسة، إن لم تكن سعيدا داخليا لن تكون سعيدا خارجيا، وهذا ما أكده أيضا، هيرمان كاين، رجل الأعمال الأمريكي، الرئيس السابق التنفيذي لشركة جودفاذر بيتزا، رئيس مجلس إدارة بنك الاحتياطي الفيدرالي في كانساس سيتي: "النجاح ليس المفتاح إلى السعادة، لكن السعادة هي المفتاح إلى النجاح"، فكم من ناجحين أثرياء كُثر، لكنهم يعيشون تعساء ويموتون كذلك، كألفيس بريسلي، المطرب الملياردير، الذى عثر عليه ميتا نتيجة تناوله جرعة مخدرات زائدة، عن عمر يبلغ اثنين وأربعين عاما، وكالمطربة داليدا التي حققت ثروة طائلة من الغناء، ومع هذا ماتت منتحرة عافانا الله، وكازدياد حالات الانتحار في الدول الإسكندنافية، ذات المراكز الأولى في قائمة الدول الأكثر سعادة في العالم.
وإن لم نكن سعداء بحياتنا الآن، فلن نكون سعداء بأي حياة، وتحقيق سعادتنا تلك يتمثل بالرضا التام على ما قسمه الله لنا من رزق في كل شيء، وفيما وصلت إليه الكاتبة جاينبورترحين قالت: "لن تشعر بطعم السعادة الحقيقية إلا إن شاركتها"، وبإقرارالمؤلف المسرحي والروائي والشاعر الأيرلندي أوسكار وايلد في حقيقته:
"البعض يسبب السعادة في كل مكان يذهبون إليه"، وصفوة قولي، أن بأيدينا نَسعَد ونُسعِد من حولنا، شريطة أن نخلص أفعالنا لله، وأن نجعل قلوبنا نقية لا حقد ولا ضغينة فيها لأحد، وربنا يسعدنا جميعًا.