Close ad

الكويتي عبد العزيز البابطين لـ"بوابة الأهرام": المثقف العربي دوره منحسر | صور

21-1-2018 | 13:09
الكويتي عبد العزيز البابطين لـبوابة الأهرام المثقف العربي دوره منحسر | صور عبدالعزيز سعود البابطين
حوار - مجدي بكري

- المثقف يحمل مسئولية أكبر من أى شخص آخر ويجب أن يكون رائدا وقدوة ومحركا لعقول الجمهور واليوم انحسر دوره.

موضوعات مقترحة

-تقدمت بمشروع عن تعليم ثقافة السلام بالعالم أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وتمت الموافقة عليه بالإجماع.

-الكتاب هو المعين الأول لتحقيق الذات وبناء حضارة إنسانية.

-السفر عندى ليس ترفيها فقط، بقدر ما هو إنجاز ثقافى أسعى لتحقيقه. 

يعتبر الشاعر الكويتي عبدالعزيز سعود البابطين، من بين الشخصيات البارزة التي دخلت تاريخ الثقافة العربية والعالمية من أوسع أبوابها، فقد كان طموحه وإصراره أكبر من أي عقبات، وتجاوزًا لكل التحديات، فقد جدّ واجتهد في تعليم نفسه وطور رؤاه الثقافية التقدمية، وجعل لنفسه مكانة مرموقة، وصار أحد أعلام الثقافة العربية، والعالمية، بما صنع من تفاعل إيجابي بينهما. 

وقد عمل من خلال مؤسسته الثقافية الضخمة التى أنشأها على نشر اللغة العربية وتكريس حضورها كلغة من اللغات العالمية، وتعريف العالم بالثقافة العربية والتاريخ العربي المشرّف والناصع، وظل داعيًا إلى التعايش مع الآخر والتسامح ومد جسور المحبة والسلام بين الشعوب وخصص العديد من الجوائز والمسابقات للاهتمام بالثقافة العربية.

يستقي الشاعر تجربته الشعرية من الحياة، ولعلك تحسب للوهلة الأولى أن السهولة عنده متعمدة، لكنك عندما تسترسل فى قراءة نصوصه تجده يحرص على جزالة الأسلوب، وحسن اختيار مفرداته اللغوية، دون تقعر أو إغراق فى التعقيد، مع احتفاظه برشاقة الجملة وقدرتها رغم قصرها على توصيل المضمون طازجا ومشرقاً ومحتفظاً فى الوقت نفسه بنصيبه الوافر من التهذيب والدعة.

تتنوع قصائد البابطين بين البحور المختلفة،  واستولَت القصائد الوجدانية وقصائد الحب على معظمها، حيث يسعى الشاعر فى بعض قصائده إلى لغةٍ شفافة تعتمد على الوضوح والواقعيَّة؛ فهى لغة تكاد تكون خاصة به، لغة تنطلق من الواقع ومن وعى الشاعر بأدواته الفنيَّة، فالنظر فى التجربة الشعوريَّة وفَهم الحالة الذهنية لقصيدةٍ ما يتطلَّب القدرة على الانغماس فى العالم النفسى للشاعر واستحضار حالته النفسية من خلال كتابته لهذه القصائد.

وقد كان لنا مع الشاعر عبد العزيز سعود البابطين هذا الحوار الذى اختص به "بوابة الأهرام"..

في البداية يتحدث الشاعر عن محاولاته الأولى فى كتابة الشعر والصعوبات التى واجهته، إذ يقول "الذاكرة الشعرية تعود بى إلى ديوان أخى عبداللطيف الذى كان بمثابة مركز ثقافى تلقائى يجتمع فيه الأدباء خصوصاً الشعراء، وكنت بالسابعة من العمر أصغى إليهم وهم يلقون الشعر النبطى وأردد أحفظ ما أسمع، حتى إننى كنتُ أُعامل الشعراء معاملة خاصة وأوقرهم لانبهارى بهم. أما أولى محاولاتى الشعرية فكانت بالنبطى عام 1947 وعمرى أحد عشر عاماً، وأتذكر أيضاً أننى أرسلت "فكرة اليوم" عام 1954 إلى إذاعة صوت العرب وفزت بجائزة فيها، واليوم نقيم فى المؤسسة مسابقة شعرية بالتعاون مع هذه الإذاعة العريقة فى شهر رمضان المبارك من كل عام، ومنذ سنوات".

وعن ديوانه الأول "بوح البوادى"، وبماذا تبوح البادية وهل صخب المدينة يأخذ الشاعر بعيدًا عن إلهامه قال: "كلما اتسع الأفق أمام الإنسان أصبحت قريحته أكثر انطلاقًا، والبادية هى مساحة روحانية بما فيها من جغرافية مفتوحة على طبيعة لا حدود لها، ربما هو العشق للأرض البكر، والحب للطبيعة الخالية من تدخلات الإنسان، بزهورها التى تنبت من دون زراعة ورمالها التى لم يمسسها سوى المطر وخطوات العابرين فى التاريخ إلى أمجادهم. أما الإجابة عن كون صخب المدينة يأخذ من الشاعر إلهامه، فلا أظن ذلك بالمطلق، لأن القريحة لا مكان لها ولا ميعاد، وعن نفسى فقد كتبت الشعر فى العديد الأقطار العربية والدول الأجنبية حتى الصاخبة منها. وذلك خلال رحلات القنص والصيد".

أما ديوانه الثانى فقد حمل عنوان "مسافر فى القفار" وعن عشقه السفر وحب المدن في قلبه يقول: "لقد ارتبط السفر منذ الأزل بالحكمة والتجارب واكتساب الخبرات، وأحب السفر إلى المدن التى فيها تاريخ عربى مثل الأندلس، وقد أثمرت هذه الرحلات عن أعمال ثقافية أنجزناها هناك لاحقاً، وتمكنا بفضل الله من تصحيح مفاهيم عن التاريخ العربى الإسلامى من خلال دورات أقمناها للمرشدين السياحيين، وارتباط ذلك وثيق بسفراتى الأولى إلى إقليم الأندلس مع الأهل، حيث كنت أستمع إلى شرح مجحف بحق تاريخنا هناك، وعندما هيأ الله عز وجل لى المقدرة، أقمت دورات خاصة للمرشدين السياحيين عن التاريخ الحقيقى والحضارة الزاهية التى تركها العرب المسلمون هناك. لذلك فمقصد القول أن السفر عندى ليس ترفيهاً فقط، بقدر ما هو إنجاز ثقافى أسعى لتحقيقه. أما أحب الأماكن إلى قلبى فهى الصحراء".

وحول ميلاد القصيدة عنده ورؤيته للكتابة يقول إن كتابة الشعر هى عملية تكاملية بين الشاعر والقصيدة، كلاهما يمنح الآخر جزءاً من كيانه ومشاعره وحضوره، فتارة تولد القصيدة من دون عناء، تهبط فجأة على مخيلة الشاعر، وتارةً يفكر الشاعر بكتابتها، لذلك ليست هناك طقوس معينة، فالحالة تفرض نفسها، ولكن لا بد من أجواء محيطة بالشاعر تهيئ له تفريغ قريحته على الورق. أحياناً تحفزنى الطبيعة، وأحياناً يحفزنى عمل إنسانى ما أو طفل فى الحروب، وأحياناً حالة وجدانية، فالشاعر مرهف الإحساس حين تهز أغصان وجده القصيدة يكتبها أينما كان.

سألناه "هل كتابة الأغنية تعتبر استراحة من القصائد"، فقال: "غالباً الشاعر لا يكتب القصيدة بهدف أن تتحول إلى أغنية، فهو يكتبها لأنها ألحت عليه وهبطت على قريحته وصارت فى مخاض الولادة، ثم قد يأتى من يستسيغها كإيقاع غنائى وشعر يصلح أن يكون أغنية، ولا أنكر أن الأغنية تحقق انتشاراً أكبر للقصيدة، فمعظم القصائد الفصيحة التى غنتها أم كلثوم أصبحت باقية على مر الزمان".

وعن نظرية المفكر الفرنسى روجيه جارودى الرائدة ومشروعه بين الحضارات المختلفة على أسس أرضية مشتركة للتفاهم على مستوى شعوب الأرض حيث سماه "حوار الحضارات"، وهل الحوار أصبح متاحاً أكثر الآن، وهل التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة قربت بين الحضارات أم فرقت بينها؟

قال إن روجيه جارودى من المفكرين المتميزين، وكذلك نعوم تشومسكى الذى كرمته مؤسستنا، وغيرهما من المفكرين الواعين لقضايا الشعوب العادلة. ونحن نهجنا فى المؤسسة نهج حوار الثقافات أى عكس أطروحة د.صموئيل هنتنجتون فى صراع الحضارات، وأقمنا الكثير من المؤتمرات والدورات الدولية حولها، وأصدرنا مئات الكتب المتعلقة بهذا الشأن بعدة لغات. وشخصياً تقدمت بمشروع عن تعليم ثقافة السلام بالعالم أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر الماضى (2017) وتمت الموافقة عليه بالإجماع، وهذه إجابة عن سؤالك حول إمكانية تحقيق هذا الحوار، فلو لم نكن مقتنعين بإمكانياته لما تكبدنا كل هذا العناء. وفعلاً فإن وسائل التواصل الحديثة، سهلت هذا الحوار حيث أتاحت اكتشاف المجهول من ثقافات الآخرين وفتحت مجالاً للنقاش والحوار بين الشعوب.

وعن رؤيته للمثقف العربي، وهل الثقافة العربية متقوقعة على ذاتها أم لديها فرصة الآن للانطلاق نحو العالمية قال "المثقف العربى جزء من منظومة سياسية واجتماعية واقتصادية وحضارية، فإذا تحسنت هذه العناصر، تحسن معها وضع المثقف، وإذا أصابها الانحدار فذلك يترك أثره على المثقف، ولكن باعتقادى الشخصى أن المثقف يحمل مسئولية أكبر من أى شخص آخر، كونه أخذ على عاتقه فهم واستيعاب معطيات واقعه، ومن ثم يتوجب عليه أن يكون رائدا وقدوة ومحركاً لعقول الجمهور نحو الأفضل، والمثقف العربى اليوم انحسر دوره بسبب هيمنة القرار السياسي، ولكن هذا الحال لا ينطبق على جميع المثقفين، فهناك مثقفون يقومون بأدوار كبيرة ولذلك لا ينقطع الأمل، وستنهض الأمة بإذن الله من جديد".

وحول مدى إسهام جوائز الشعر العربية فى اكتشاف شعراء جدد أم هى تعتبر مكافأة وتقديرا للشعراء الموجودين على الساحة بالفعل قال إن الجوائز تحمل الجانبين اللذين تفضلت بذكرهما، فهى من ناحية تسهم فى اكتشاف وتقديم شعراء جدد إلى الساحة الشعرية، وهذا ما فعلناه من خلال جوائز المؤسسة أو من خلال مهرجان ربيع الشعر العربى الذى نقيمه فى شهر مارس من كل عام منذ سنوات عديدة، وفى الوقت نفسه فإن الأمم المتحضرة هى التى تقدر مبدعيها وتكافؤهم حال حياتهم، وهذا من حقهم، حتى يشعر المبدع بأن نتاجه الفكرى له أهمية وقيمة فى بناء المجتمع.

قلنا له إن كثيرا من الشعراء كتبوا للحب معه أو عليه، فماذا كتب للحب، وهل الحب الأول هو الأخير أم لا؟

قال إن الشاعر غالباً ما يتطرق إلى كل أغراض الشعر، من وطن وحب وإنسانية وغيرها، ولا شك في أن الشعور الأول يبقى فى وجدان الشاعر لكن ليس هو نهاية المطاف، ومن قصائدى التى طلبتها فى هذا المجال قصيدة بعنوان «وَلَه» اقول فيها:
يا مَن يَحنُّ القلبُ لَهْ
الروحُ عذّبها الوَلَهْ
والشوقُ ذوَّبَ مهجتي
والوجدُ صبرٌ علَّلهْ
ملَّ السنينَ ومَرَّها
والصبرُ صبرى ملَّلهْ
نوحُ الحَمامِ بعُشِّهِ
وهديلُه ما أجمَلَهْ
يحكى مُعاناةَ الهوى
فى أضلعى مَن أدخلَهْ
نوحُ الحَمامِ لمهجتي
كالورد قَطْرٌ بلَّلَهْ
يا عشقُ قد آذيتَني
والعِشقُ عِشقى أذهَلَهْ
يا حبَّها يا عِشقَها
لولاكَ نفسى مُهملَهْ
فالحبُّ لى أسمى المُنى
والصعبَ حبي ذلـله
بالحبِّ أحببتُ الدُّنى
حمداً لقلبى ما دَلهْ
رغمَ السِّنينَ ورَغمَهُ
ذاك التمزُّق أشعلَهْ
هل يا تُرى عَلِمَ الهوى
حَبلُ النَّوى ما أطولَهْ
أو هل تُرى يدرى النَّوى
سوطُ الجوى ما أقتلَهْ
وشقيقُ روحى سامَني
خَسْفاً وقلبى دلَّلهْ
قلبى سيبقى عاشقاً
والشوقُ طاغٍ جلَّلهْ
أهفو لوصلٍ عاجلٍ
فالروحُ عذَّبها ألولَهْ

وعما تمثله المرأة بالنسبة له قال "كثير من الشعراء ظلم المراة حين اعتقد أنها مجرد تحفة جمالية تصلح للغزل فقط، فالمرأة شريكة الرجل فى بناء مجتمعات وتنشئة رجال وصنع حضارات، وتستحق أن ننظر إلى عقلها وقلبها بآن معاً نظرة احترام وتقدير".

وعن شاعره المفضل، وهل يوجد من الشباب من يراه واعداً بمستقبل جيد قال شاعرى المفضل جميل بثينة والشابى أما بالنسبة للشعراء الشباب، فهناك الكثير منهم يشاركون معنا فى المهرجانات التى نقيمها، ولا أود تحديد اسم حتى لا يحبط غيره، وحقيقة الكثير من الشعراء الشباب من الجنسين يشدون الاهتمام ويستحقون الإعجاب.

وعن مدى تحيزه للشعر العمودى ودفاعه عن هوية الشعر العربي، وهل هو ضد الشعر الحر والحديث والجديد من المدارس الناشئة فى الشعر، وهل قصيدة النثر أوجدت لنفسها مكاناً فى الساحة الشعرية قال: يحق لكل شاعر اختيار اللون الشعرى الذى يميل إليه، واهتمامى بالشعر العمودى نابع من يقينى بأن لكل فن أو أدب قواعده التى يفترض أن يتعلمها الإنسان وهذه القواعد هى التى تحدد جنس الأدب أو الفن الذى يصنعه، فهل تستطيع أن ترسم لوحة من دون تعلم قواعد الرسم مثلا؟ أو تعزف بشكل فنى من دون تعلم قواعد العزف؟ كذلك الشعر فله قواعده حتى يصبح شعراً، وأنا لا أستنكر ما يكتبه الآخرون فى هذا الإطار، ولكن لنسمى الأشياء بمسمياتها، ودعنى أخبرك بأننا فى مهرجاناتنا ومسابقاتنا نستقبل عموم الشعر العمودى والحر أو التفعيلة، وكذلك فى قناة البابطين الثقافية، ولكن النثر يبقى فى مسماه نثراً كونه لا يتبع الأوزان التى تمنحه تسمية الشعر، وقد يكون نثراً جميلاً وفيه شاعرية ولكن وفق التصنيفات العلمية فلكل أدب مسماه حتى لا تختلط الأجناس فتضيع هويتها، وأنا أحترم وأقدر كل أنواع الأدب.

أما الرسالة الشعرية التى يوجهها للقارئ العربى فقال ربما لو كان السؤال: ما الرسالة التى نوجهها لغير القارئ، فهذا أولى بأن نوجهه إلى القراءة، ونقول له كن قارئاً وعد إلى الكتاب فهو المعين الأول لتحقيق الذات أولاً، ثم بناء حضارة إنسانية تبقى خالدة على مر العصور. فحين هجرنا الكتاب هجرتنا حضارتنا.

وأخيرا سألناه بماذا يهمس فى أذن الشعراء الشبان، وبماذا ينصحهم فقال: الشعراء الشباب يتحلون بالوعي، لأن ما يتوفر لهم اليوم لم يكن يتوفر للشعراء فى السابق. اليوم كل المنابر متاحة، سواء بسبب وفرة الأماكن التى تقيم أمسيات شعرية، أو بسبب المنابر الإلكترونية التى أصبحت من السهولة بحيث يبرز الشاعر خلال فترة زمنية قصيرة. لذلك فعليهم أن يستثمروا هذه المعطيات السهلة ولكن ألا يقدموا أى شيء نتيجة هذا الاستسهال، فعليهم العودة إلى جذور الشعر العربى وتعلم قواعده الصحيحة وأوزانه وعروضه وتثقيف أنفسهم ثقافة تاريخية ومعاصرة بآن واحد كنوع من التوازن بين علوم الأمس وتطور العصر الحتمى.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة