لم يدفعهم لتقبل مشاق البناء سوى حب مصر، وكان الشعور بالانتماء هو الحافز، الذي دفعهم إلى بذل الجهد والعرق، وصل إلى التضحية بأرواحهم؛ لإنجاز هذا المشروع القومي العملاق، ليأكدوا بعد أكثر من نصف قرن على إنشائه، أنهم كانوا يعتبرون -ولا يزالون- أن السد العالي هو حلمهم الشخصي، ومشروعهم القومي، الذي تحقق إنجازه بأيديهم.
موضوعات مقترحة
بالتزامن مع احتفالات العيد القومي لمحافظة أسوان، حاولت "بوابة الأهرام" أن تحتفل به بطريقة خاصة، عن طريق لقاء عدد من العمال الذين اشتركوا في بناء السد العالي، ليروي لنا كل منهم حكايته مع بناء السد، في ذكرى مرور 58 عامًا على وضع حجر أساس السد العالي، في يناير 1960.
ذكريات الحلم
الشيخ أحمد عبد الله النخيلى (80 عامًا)، م يبرح منزله منذ 20 عامًا، إلا أنه عندما طلبت منه "بوابة الأهرام" الحديث عن ذكرياته مع السد العالي، قرر الخروج عن صمته، ليحكي لنا ذكريات الحلم.
بصعوبة تثقالت معها كلمات التاريخ، سرد لنا الشيخ النخيلي جانب من ذكرياته عن السد العالى، قائلا إن العاملين فيه تحدوا الصعاب، وكفاحوا لينال هذا الشعب عزته وكرامته، حيث كانوا يواصلون العمل ليل نهار، لإنجاز العمل، وأنه كان أحد عمال التشيد والبناء، ويتذكر خلال حديثه الشيقن حادثة شهيرة حدثت أمام عينيه، عندما انهار سلم خشبى، كان يحمل قرابة 35 عاملا، وسقط من ارتفاع 80 مترًا، وأسفر الحادث، عن مصرع العمال الـ35 دفعة واحدة، فى مشهد بطولي، لهؤلاء الجنود البواسل، التذين لا تقل بطولاتهم عن بطولات المصريين، فى نصر أكتوبر المجيد.
حلم شخصي
جابر عبد الحفيظ (73 عامًا) -أحد بناة السد العالى- قال لـ"بوابة الأهرام" إن العمل فى المشروع كان حلمًا لأبناء هذا الوطن، الذين توافدوا من كافة محافظات مصر للعمل به؛ ولتحقيق حلمهم الشخصي، وحلم شعب مصر، وقد كانوا على قدر المسئولية، حيث واصلوا العمل الليل بالنهار؛ لإنجاز هذا المشروع.
وأوضح أنه التحق فى بداية تنفيذ المشروع؛ للعمل فى قسم التركيبات الميكانيكية، التي كانت مهمته تجهيز "فُرم الأنفاق" والمحطات الكهربائية، لبناء أنفاق السد العالي.
شهود عيان
"كنا شهود عيان على اكتمال هذا الحلم الضخم"، هذا ما أكده محمد نوبى علي (62 عامًا) -أحد بناة السد العالى- في حديثه لـ"بوابة الأهرام"، قائلا: "كانت ساعدتنا الأكبر فى وصول أول توربينة بمحطة كهرباء السد من الاتحاد السوفيتي، عن طريق نهر النيل".
ويتابع "نوبي" سرد حكايات بناء السد، لافتًا إلى أن أهالى أسوان، سارعوا عن "بكرة أبيهم" لاستقبال أول توربينة، وكأنهم يحتضنون أحلامهم، التي ينتظرونها بشغف، حتى أن المواطنين كانوا يوزعون الفاكهة والبلح والحلوى على العمال، وعلى من يسير في الشوارع، ابتهاجًا ببدء أولى مراحل المشروع، بعد أن بدأت ملامحه تظهر للنور.
زيارات عبد الناصر
ويروى محمد عبدالله (70 عامًا)-كبير فنيين السد العالى- ذكرياته حول السد العالي لـ"بوابة الأهرام"، أنه إلتحق بالعمل في المشروع عام 1964، وكان همه الأكبر أن يرى المشروع الذى تحدت به مصر العالم أجمع، يخرج إلى النور، ويتذكر أثناء حديثه، الفرحة التي كانت تغمر الجميع، عند مشاهدة الزيارات المتكررة للزعيم الراحل جمال عبدالناصر، الذي وصفه بأنه "كان يعيش بيينا كأنه أحد العمال"، ولافتًا إلى حرص الزعيم الراحل، على زيارة المشروع بشكل دائم.
قطع الأصابع
وعن دور الخبراء الروس خلال تنفيذ المشروع، قال كبير الفنيين، إنهم كانوا مخلصين وجادين في عملهم منذ بداية تنفيذ المشروع، مشيرًا إلى أن الترفيه لم يكن له وقت لديهم، وكانوا يعملون 24 ساعة متواصلة، ودفع ذلك المصريين العاملين في إنشاء السد للتنافس معهم، والإخلاص لصالح العمل.
ويتذكر في حديثه، أن عاملًا روسيًا كان يعمل على ماكينة تقطيع "الصاج" بقسم الخراطة، وتعرض أثناء عمله إلى قطع بأحد أصابعه أثناء العمل، وعندما ذهب إليه لإسعافه، رفض الروسي، وطلب منه تجاهل الأمر، وألا يخطر أحدًا بما حدث، وقام بتغطية إصبعه المقطوع بمنديل، ووضع الجزء المقطوع من إصبعه في جيبه، وقبل ذهابه عقب انتهاء عمله، طلب منه مجددًا ألا يخبر أحدًا بما حدث، حتى لا يقال عنه "إنه خايب"، وبالتالى يتم ترحيله.
معلومات عن السد العالي
نصر كبير حققه المصريون ببناء السد العالي، أعظم المشروعات الهندسية العملاقة في القرن العشرين، لترتفع قمته إلى 196 مترًا فوق سطح الأرض، ويتساوى في ارتفاعه مع هضبة المقطم بالقاهرة، وهو يعتبر خط الدفاع الأول؛ عن مصر من الفيضانات المدمرة.
حمى السد العالي مصر، لمدة 9 سنوات، خلال سنوات عجاف، تعرضت القارة الإفريقية خلالها للجفاف، من العام 1979حتي 1988، وتبلغ السعة التخزينية للسد العالي 162 مليار متر مكعب من المياه، وبعبقرية تم بناء السد العالي كسد ركامي، من كتل الجرانيت، وليس سدًا خرسانيًا من الأسمنت، مما يمنحه عمرًا أطول، وقدرة على مواجهة عوامل الخطورة أكبر.