في مثل هذا اليوم، 9 يناير عام 1960، كانت مصر على موعد مع أعظم إنجاز مصري في العصر الحديث، بل أعظم إنجاز عالمي تم بأياد مصرية، مجسدًا ملحمة شارك بها 20 ألف عامل، لاحتواء 30 مليار متر مكعب من الطمي، لمدة 500 سنة.
موضوعات مقترحة
قبل 58 عامًا، تم وضع حجر أساس بناء السد العالي، الذي تؤكد المراجع التاريخية، أن إنشاء سد في أسوان لم يكن وليد اللحظة، فتاريخيًا كان الحسن ابن الهيثم في العصر الفاطمي، هو أول من اقترح بناء سد في أسوان؛ ولأن مشروعه باء بالفشل، فقد تظاهر بالجنون، أما السد العالي في العصر الحديث، فهو أول مشروع للتخزين المستمر على مستوى دول حوض نهر النيل.
المهندس المصري اليوناني الأصل، أدريان دانينوس، تقدم إلى قيادة ثورة 1952، بمشروع لبناء سد ضخم عند أسوان؛ لحجز فيضان النيل، وتخزين مياهه، وتوليد طاقة كهربائية منه، وبدأت الدراسات في 18 أكتوبر 1952، بناء على قرار مجلس قيادة ثورة 1952، من قبل وزارة الأشغال العمومية.
جمال عبدالناصر و الحبيب بورقيبة فى السد العالى .
الأثري الدكتور راجح محمد، قال لــ"بوابة الأهرام"، قبل وضع حجر الأساس، دارت مباحثات مهمة لاختيار مكان إنشاء السد، كما دارت مباحثات مهمة لإدارة قوة التخزين، حيث قامت بعثة في أكتوبر عام 1952؛ لمعاينة المنطقة من الكيلو 5 إلي الكيلو 14 بأسوان، فيما قام سلاح الطيران بعمل صور جوية، وعملت هيئة المساحة خرائط مساحية.
تم تقسيم الخزان إلى "تقسيم مفقود"، و"سعة مخصصة لرسوب الطمي"، تم تقديرها بـ 30 مليار متر مكعب، وهي مساحة كافية لترسيب الطمي لمدة 500 عام، بمعدل 60 مليون متر مكعب في العام، بالإضافة إلى "تخزين حي"، مقدر بـ 70 مليار متر مكعب مخصصة لسد حاجات الري، والملاحة والوقاية من الفيضان.
جمال عبدالناصر يستمع لأحد الخبراء الاجانب .
قصص كثيرة حواها كتاب بناء السد العالي، "جوابات حراجي القط" للشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي، حيث يسرد الكتاب بلغة شاعرية كبيرة، علاقة العمال مع الحلم الوطني، في خطابات شعرية كان يرسلها لزوجته فاطمة، فيما حوت الأغاني الوطنية لعبدالحليم حافظ وغيره، الكثير من الأغاني الحماسية للعمال، ولازالت تحتفظ بيوت منازل الصعيد بشهادات التقدير التي قدمها الرئيس جمال عبدالناصر لعمال السد العالي.
عمال السد العالى يهتفون لجمال عبدالناصر .
الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، أمر ببناء مسجد "الطابية" لاستيعاب العمال من بناة السد العالي، خاصة في صلاة الجمعة، كما أقام لهم الدور السينمائية؛ لمشاهدة العمال الأفلام المصرية التي تتحدث عن الحلم المصري، في بناء السد العالي.
ويضيف الدكتور راجح، أن جسم السد بني بقاعدة أسفل النهر، بطول 40 مترًا، وهي بنيت بشكل هرمي، فيما استخدمت خرسانة تكفي لعمل شارع بين القاهرة وأسوان، واستخدم في بنائه أحجار تكفي لعمل 14 هرمًا مثل أهرامات الجيزة، وحديد يكفي لعمل 19 برجًا مثل برج إيفل بفرنسا، وقد تكلف إنشاؤه حينها بما يقدر بـ 140 مليون جنيه.
كان العمل في السد العالي رمزاً للصداقة بين الشعبين المصري والاتحاد السوفيتي، رغم وقوع ضحايا من العمال، بسبب التفجيرات في الصخور، إلا أن آفاق الحلم الوطني، كان يحدوا الجميع، حيث يؤكد الراجح، أن العمل في بناء السد العالي لم يكن بالسخرة، مثل ما حدث في حفر قناة السويس قديمًا.
جمال عبدالناصر و الحبيب بورقيبة فى السد العالى .
ولبناء السد، تم نقل ما يقرب من 22 معبدًا ومقبرة، خلف السد العالي، فيما اشتركت 60 بعثة أثرية من جميع أنحاء العالم في عمليات النقل، وكان أشهر المعابد التي نقلت هو معبد أبوسمبل، فيما كان آخر معبد تم نقله هو معبد فيله، الذي تم الانتهاء من نقله في عام 1980.
وكانت مصر قبل بناء السد العالي، تستورد بما يوازي 800 ألف جنيه؛ لاستيراد الأسمدة، وبعد بناء السد العالي تم توفير الكهرباء، وإنشاء مصنع كيما، في عام 1958، وأصبحت مصر تقوم بتصدير الأسمدة، كما أنشأت مصر الكثير من المصانع فيما بعد، مثل الألومنيوم وغيرها.
انتهي افتتاح السد العالي في عام 1971، حيث بدأ العمل فيه بمراحل، وفي عام 1975، تم تشغيل كافة التوربينات، وأكد "راجح"، أن السد العالي أفاد مصر مثلما أفاد السودان الشقيق، حيث وفر للسودان التوسع في المساحة المنزرعة لـ 200 %، مع ضمان الري المستديم، والتوسع في زراعة القطن طويل التيلة، وزيادة الدخل لـ70 %.
جمال عبدالناصر يستمع لأحد الخبراء الاجانب .
جمال عبدالناصر اثناء تحويل مجرى النيل .
جمال عبدالناصر اثناء الاحتفال بتحويل مجرى النيل .
جمال عبدالناصر و نيكيتا خروشوف فى السد العالى .