أفزعني وهالني ما قصَّه علىَّ ولدي، من إلحاد أحد أصدقاء جيراننا، وهو شاب جامعي، أعرفه اسما، ولم يجمعني به لقاء من قبل، إذ قال لي: تعرف .....؟ قلت له: نعم، فقال: لقد ألحد، ويكتب على صفحته بالفيس أقوالا تدعو للإلحاد والكفر والاستهزاء بالله وأنبيائه وملائكته ويوم البعث، مثل "عندما تموت وتذهب للعدم ولا تجد جنة ولا نار ولا إله، يبقى الملائكة والأنبياء غفلونا واللا إيه؟"، وقوله: أنا أصدق العلم، والشيطان ليس سوى ملاك أراد المزيد من المتعة، وغيرها من أقوال.
ومع أن ظاهرة الإلحاد بين شبابنا قد طفت على سطح مجتمعنا واضحة جليَّة بعد قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011م، إلا أن ما صدمني الآن أنها مازالت سارية المفعول بينهم، وتصب صبا في وصف الحالة المجتمعية المصرية لشبابنا، والتي يدرك معها المتأمل يقينا في مجتمعاتنا العربية عامة، ومصرنا الحبيبة خاصة، أنها تموج في أمواج من الفتن العاتية وحروب الجيل الرابع لتخرجها عن جادة الصواب، شطحا بآراء وفكر شبابها.
إذ صار العقل المصري لبعض شبابنا متمزق الوشائج ، مهلهل البنية الأخلاقية والدينية وما ذلك إلا لبعده عن ديننا وتقاليدنا وأعرافنا المصرية الشرقية، وتنحيتها جانبا، واتباعهم لأفكار إلحادية تغريبية علمانية تخريبية، في نوع من الغزو الفكري الصهيوني والماثوني العالمي لهم، تنطلي على سم محلى بمعسول القول واللفظ، ومن ثم رأينا حربا ضروسا مستعرة تنشب و تندلع من جانب القوى الإلحادية، محاربة لهذا العقل الجمعي لشبابنا، ونارا تضرم في قلوبهم ونفوسهم، حسدا وكرها لهذا الركن الركين الذي بات كساء ورداء ودرعا للمجتمع من أعدائه، ومن ثمة فهم يضربونه في هويته وعقيدته، حتى لا يوجد لنا مكان بارز علي خريطة المجتمع الدولي.
نعم هم يعملون على مسخ عقل وطننا وضميره وفكره ويومه ومستقبله، بإضاعة شبابه، حين علا صوتهم منادين إياهم بعدم الاعتراف بالله والدين، ووفقا لموقع إعلام، وتحت عنوان "أول إحصائية عن الملحدين في مصر"، و نقلًا عن "الحرة" بلغ عدد دعاوى الطلاق القضائية التي تلقتها محكمة الأسرة المصرية بسبب “إلحاد الزوج أو تغيير العقيدة " ستة آلاف وخمسمائة قضية" عام 2015، وهي آخر إحصائية تنشرها المحكمة في سجلاتها الرسمية، عن الأزواج الملحدين في مصر.
وفى إحصائية لمؤسسة «بورسن مارستلير الأمريكية»، تقول إن نسبة الملحدين فى مصر وصلت إلى ٣ %، أي لدينا ما يقرب من ٣ ملايين ملحد، ومع أن الرقم أراه -يقينا- مبالغا فيه، لمعرفتنا جميعا لمعدن الشباب المصري الأصيل -مسلما ومسيحيا-، إلا أنه يوجد بالفعل من يعتنق ذلك الفكر ويروج داعيا إليه عبر صفحات الملحدين المختلفة بصفحات التواصل الاجتماعي المختلفة، وصديق جارى هذا خير دليل.
في مقال للدكتور محمد أبو زيد، أستاذ الدعوة و الثقافة الإسلامية جامعة الأزهر بعنوان" الأديان فى مواجهة الإلحاد" يذكر أنه وفى مؤتمر للحوار بين الأديان ، بجمهورية كوسوفا ، بدعوة من السيدة رئيسة الجمهورية، تحدثت سيدة أمريكية ملحدة، فقالت: "نحن فى أمريكا ثلاثة وأربعون مليونا من الملحدين، أي 14.5% من الشعب الأمريكي، ولنا مؤسسات تجمعنا، ونتواصل، وأعدادنا تزيد باستمرار، ونحن ننظر لرجال الدين نظرة لا تخلو من كثير من السخرية، وقليل من العطف لأنكم تؤمنون بأساطير لا وجود لها ".
نعم صدقت قولا وفعلا، فمؤسساتهم التي تجمعهم، تفننت في تصدير فكرها الملحد إلى شبابنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وأجهزة الإعلام المضللة والمأجورة، فنشروا فيها كل ما أمكنهم من ألوان الخداع والتضليل، ويتواصلون ويتزايدون، وهذا أحد أبواقهم وكبير أقطاب مؤيدي الفكر الغربي سعد الدين إبراهيم، يصرح علنا مؤخرا: "أنا ضد الحجاب والنقاب، والشريعة الإسلامية لا تتوافق مع العصر الحالي، ومع تقنين أوضاع المثلية الجنسية!"، فماذا يفعل شبابنا، مشوه العقل والفكر تجاه تلك الكلمات الدعوية السافرة، المنافية لهويتنا وديننا إلا الإيمان بها وترديدها .
إزاء ما سبق أدعو وزارتي الثقافة والتعليم تبنى طبع ونشر كتاب "عزيزي الملحد.. أسئلة الملحدين أمام العقل والعلم" للمفكر الإسلامي الدكتور محمد داود، وتوزيعه على جميع أبنائنا الطلاب، بمراحل التعليم المختلفة، والذي فيه يجيب إجابات شافية، جامعة، مانعة، عن كل ما يدور من شبهات تساؤلية في أذهان شبابنا الملحدين، عودة لهم من طريقهم المسدود الذي اتخذوه سبيلا.
كما أن لزاما وحقيق علينا أن نتصدى جميعا،– علماء ودعاة وأئمة مسلمين ورجال دين مسيحي ومفكرين وباحثين وأساتذة جامعة وتربويين وإعلاميين - دائما -وليس موسميا- لهذا الفكر الإلحادي المعوج ومن يروج له، وأن نفضح ونميط اللثام وننزع عنه ورقة التوت التي يسترون بها عوراتهم الزائفة الواهية، ونعري هذا الفكر الزائف الباطل وندحضه، بكل ما أوتينا من حجة وقوة وبراهين كشفا لكذب ونفاق هؤلاء الملحدين ودعواتهم الزور، وحربهم وتخريبهم لعقول شبابنا، وتطاولهم على الشرع وجحودهم وتبجحهم عليه، كما لابد من مواجهة مثل هذه الأفكار الإلحادية، بالعمل الدعوى والمناظرات برفق وبالحكمة دون تعنيف لهؤلاء الشباب، وصدق ربنا عز وجل: "إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ" (المجادلة 5)، وكبتوا أي أذلـّـوا و أهلكوا و لعِنوا، دفاعا عن شبابنا ودينه، الذين يوجه إليهم سهام الحقد والبغض المقصود.