Close ad

الجوع والديمقراطية .. في بريطانيا

26-12-2017 | 00:20

ونحن نودع عامًا ونستقبل آخر، نتمنى أن يكون رحيمًا بِنَا .. وبعيدًا عن سرد الإنجازات والإخفاقات السياسية والاقتصادية والرياضية وغيرها في العالم .. تطل علينا بريطانيا بتقارير أراها ليست فقط مقلقة بل تصل إلى حد الرعب. الجوع والفقر ينتشران في أنحاء هذه الدولة العريقة القوية الغنية بمواردها البشرية والطبيعية .. فما بالك بدول تحتضر بالفعل تحت وطأة الجوع خاصة في إفريقيا وآسيا.

نصف مليون طفل يذهبون إلى مدارس بريطانيا ببطون خاوية وعندما يعودون إلى منازلهم لا يتناولون طعاما يذكر وبالتأكيد بلا قيمة غذائية. هذه الدراسة التي نشرت قبل نهاية ٢.١٧ بأسابيع قليلة كانت كفيلة لإطلاق وسائل الإعلام لحملات مكثفة من أجل جمع تبرعات لدعم هؤلاء الأطفال. أما هيئة التأمين الصحي بدورها فقد حذرت أيضا من انتشار أمراض ناتجة عن سوء التغذية بين الأطفال، كانت قد ظهرت في القرن التاسع عشر بسبب الفقر المدقع التي عانت منه بريطانيا.

وحسب مسئولي الصحة فإن العديد من زوار المراكز الصحية والمستشفيات من الأطفال يوميا لا يحتاجون دواءً، بل هم في حاجة للغذاء الصحي. وفي محاولة لوقف معاناة الأطفال بسبب سوء التغذية أصبح الآن من حق الطبيب استبدال وصفة العلاج بكوبونات للطعام الصحي من السوبر ماركت.

المسئولون عن التعليم، هم أيضا أعربوا عن مخاوفهم من التأثير السلبي لسوء التغذية على نسبة تحصيل العلم في المدارس. فمن المعروف أن الجوع وسوء التغذية يؤديان حتما لعدم التركيز وبالتالي سيكون هناك جيل من البريطانيين بنِسَب تعليم تحد من منافستهم لأقرانهم من دول العالم عند الدخول لسوق العمل.

الأمم المتحدة أيضا تقول إن في بريطانيا، التي تعد ثامن أقوى اقتصاد في العالم، هناك ثمانية ملايين شخص يعانون من الجوع وأن ٨٧٠ ألف طفل ينامون دون عشاء بسبب فقر الآباء.

تتزامن هذه التقارير التي تنذر بتهديد جيل كامل، ليس في بريطانيا فقط، ولكن في عدد من دول العالم، تتزامن مع تقارير ودراسات بريطانية أخرى تؤكد إلقاء ٤٠٠ مليون وجبة غذائية في القمامة خلال عام ٢٠١٦ كان من الممكن أن تسد جوع الفقراء والمحتاجين. في بداية ٢.١٧ أكدت التقارير أن ثلث ما يزرعه العالم من محاصيل صالحة للأكل لا تؤكل أبدا.

المبادرات الاجتماعية لسد رمق الجوعى في بريطانيا والتي بدأت عملها منذ سنوات تحث الناس لتقديم الدعم وتوفر السبل لتسهيل تقديم الطعام للمحتاجين. مبادرة "بنك الطعام" وهي الأشهر في بريطانيا تعتمد على قيام من يريد التبرع بشراء الطعام أو أي مستلزمات قد يحتاجها الفقراء أثناء التسوق من السوبر ماركت ويتركها في صناديق خاص بالمبادرة موجودة في كل سوبر ماركت كبير ليتم توزيعها على المحتاجين المسجلين لاحقا. وبرغم أن "بنك الطعام" يجمع مئات الآلاف من الأطعمة والمستلزمات شهريا فإن المسئولين عنه يشتكون دائما من أن تزايد أعداد الفقراء لا يواكب كميات الطعام التي يتم جمعها.

هذه المبادرات والتكافل الذي شاهدته بنفسي منذ إطلاق التحذيرات من الجوع والفقر تدل على أن هذه الامور يجب ألا تنتظر أمرا ملكيا أو ضغوطا حكومية أو رجاءً من أحد .. سوبر ماركت شهير هنا أعلن أنه سيضع مقابل كل تبرع ما يعادله فإذا تبرعت بعبوة لبن سيضع السوبر ماركت ما يعادلها وهكذا .. سوبر ماركت آخر شهير يضع عند كل ركن فواكه طازجة ويدعو كل طفل أن يأخذ ما يريد منها مجانا مع وضع صور وكلمات تلفت نظر الأطفال وتحمسهم لتناول تفاحة أو موزة أثناء تسوق الآباء.

منظمة أنقذوا الأطفال البريطانية الخيرية والتي تعمل في عشرات الدول الإفريقية والآسيوية الفقيرة تقول إن معدل وفيات الأطفال سنويا بسبب الجوع وسوء التغذية في أنحاء العالم تصل إلى ثلاثة ملايين طفل .. وتطلق صرخة تحذير من أن معدلات الفقر الحالية والتصحر وتأثر الزراعة بالتغييرات المناخية ستؤدي حتما إلى تعرض ١٢٩ مليون طفل لأضرار صحية خطيرة لا يمكن علاجها بحلول عام ٢٠٣٠ .

أعتقد أن الخطر الحقيقي الذي يداهم العالم ويزحف بلا رحمة في محاولة للفتك بالجميع هو الجوع فتأثيره ليس فقط آني بل، مثل الهجوم النووي، تستمر آثاره لأجيال وأجيال وواجب على حكومات العالم أن تتحد من أجل وقف زحف هذا الوحش بالضبط كما يفعلون لوقف الانتشار النووي.

إذا كانت بريطانيا تخشى من عودتها للقرن التاسع عشر بسبب الجوع والفقر، فماذا تفعل دول فقيرة حالها الآن لا يرقى لحال بريطانيا في أشد عصورها فقرا ومرضا.

الفقر ليس جريمة

وجهت المحكمة العليا البريطانية، صفعة مدوية للحكومة مفادها "الفقر ليس جريمة" لتجبرها على وقف ترحيل الفقراء من دول الاتحاد الأوروبي لبلادهم.

وقالت المحكمة في حيثيات الحكم، إن هؤلاء الأوروبيين الذين ينامون في شوارع بريطانيا بسبب الفقر فهم ضحايا وليسوا جناة، ولذلك فإن اعتقالهم وترحيلهم يعد مخالفة للقانون.

لم تعر المحكمة اهتماما لكون قرار الاعتقال والترحيل الذي بدأ منذ ثلاث سنوات، هو مشروع رئيسة الوزراء الحالية تريزا ماي، والذي تعمل على تنفيذه منذ خمس سنوات عندما كانت وزيرة للداخلية.

"يال العار" هكذا علقت صحيفة الجارديان على هذا الخبر ربما ليس فقط بسبب عمليات الترحيل التي طالت حوالي ١٣٠ شخصًا منذ عام ٢.١٥ فهم لم يرتكبوا جرائم ولكن فقط لأنهم فقراء، ولكن ربما جاء هذا التعليق القوي بسبب تفاصيل الحكم الذي جاء فيه أن الحكومة أجبرت مؤسسات خيرية بريطانية لدعم الفقراء والذين يعيشون بلا مأوى لمدها بمعلومات ساعدت في عمليات الاعتقال والترحيل.

وداعا 2017 ومرحبا بعام جديد سعيد (إن شاء الله).

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
ناصر ٢٠١٨

يوم الاثنين الموافق ١٥ يناير ٢٠١٨ ذكرى ميلاد الزعيم .. مصر - إلا قليلًا- تحتفل بعيد ميلاد الرئيس الخالد - الراحل جمال عبدالناصر. شكرًا للإعلام والإعلاميين

وضع المرأة العربية أفضل.. ولكن هل يعلم الغرب؟

الاعتقاد السائد في المجتمعات الشرقية والغربية على حد سواء بأن المرأة الغربية تحصل على حقوقها كاملة، مقارنة بقريناتها في الشطر الشرقي من العالم، يتهاوى