قبل أن يحمل عام 2017 أوراقه ويرحل بلا رجعة غير مأسوف عليه، ربما تكون الحسنة الوحيدة التى تخفف من حدة أوزاره الإنجازات العلمية التى تضاف إلى رصيد البشرية، والأمل معقود على أن يكون عام 2018 أفضل من سابقه وألا يحمل مثله هذا الكم من الذكريات المؤلمة..
تأتى دائما جوائز نوبل فى العلوم على رأس قائمة إنجازات العلماء، ففي هذا العام مُنحت جائزة الطب لثلاثة من العلماء اكتشفوا مجموعة من أسرار عمل الساعة البيولوجية فى جسم الإنسان والتى تمتد على مدى 24 ساعة، هذا الإنجاز العلمي يفسر كيف يوائم البشر والنبات والحيوان إيقاعهم البيولوجى كى يتماشى مع دوران الأرض.
وفى الفيزياء رصد العلماء موجات الجاذبية فى تثبيت عملي للتنبؤات النظرية لأينشتاين قبل مائة عام، وهو اكتشاف وصفته الأكاديمية السويدية المانحة لجوائز نوبل بأنه "غيّر العالم" فبعد قرن من حديث ألبرت آينشتاين عن هذه الموجات التى تسبح فى الفضاء مؤرخة للأحداث الفلكية الكبيرة التى وقعت فيه، أصبح فى الإمكان رؤيتها مباشرة.
وفى الكيمياء طّور العلماء ميكروسكوبا إلكترونيا عالى الدقة يحمل اسم "cryo-electron microscop" يسمح بـ"تجميد الجزيئات الحيوية" اثناء حركتها، وتصوير عمليات لم يسبق رؤيتها من قبل، فى الوقت الحقيقي، وسمحت التقنية للعلماء باستكشاف بنية كل البروتينات التى تسبب مقاومة المضادات الحيوية على سطح فيروس زيكا، وهو ينتقل عن طريق لدغات البعوض ويسبب اضطرابا عصبيا، ويمكن أن يؤدى إلى الشلل أو الوفاة، وقد انتشر فى أمريكا اللاتينية، خاصة البرازيل وتسبب فى زيادة غير مسبوقة فى عدد الأطفال الذين يولدون برأس صغيرة بدرجة غير طبيعية.
وفى مواجهة أشد الأمراض شراسة حتى اليوم، سيذكر التاريخ أنه فى العام 2017، توصل الباحثون إلى طريقة تُمكن مرضى السرطان من مكافحة هذا المرض بواسطة خلاياهم الدموية، ويقوم هذا العلاج غير المسبوق على إزالة خلايا الشخص المصاب وإعادة هيكلتها، ثم إرجاعها إلى جسد المريض بعد أن تصبح مُبرمجة على مهاجمة الخلايا السرطانية.
وفى الإطار نفسه ، تمكن علماء فى معهد "سكريبس" للأبحاث فى كاليفورنيا، من تشييد زوج جديد من الأحماض الأمينية، التى تشبه إلى حد كبير الأحماض الأمينية الأساسية المكونة للحمض النووى البشرى، وهذه الأحماض المُصنعة بإمكانها التوافق مع الزوجين الأساسيين من الأحماض الأمينية الأساسية، مما يجعلها قادرة على معالجة الأمراض بصفة جذرية، خاصة مرض السرطان.
وطبيا أيضا، اقترب العلماء خلال هذه السنة من عملية زرع أعضاء الخنازير فى الجسم البشرى، وهو ما قد يغير حياة 118 ألف شخص على لوائح الانتظار لزرع الأعضاء فى أمريكا فقط، لكن ذلك سيفتح الباب واسعا امام حالة من الجدل الدينى والأخلاقى، خاصة فى الدول الإسلامية، وربما نجد قريبا من لايجد غضاضة فى أن يحيا إنسان، يوشك على الهلاك، بكبد خنزير أو أى قطعة من جسده المُحرم!!.
فضلا عن ذلك، نجح علماء الأحياء فى الولايات المتحدة فى إجراء تعديلات على الحمض النووى لأجنة بشرية حية، وتُمكن هذه التقنية من إصلاح الطفرات فى البشر الذين لم يُولدوا بعد، مما قد يعنى ولادة أشخاص غير مُعرضين للإصابة بأية أمراض وراثية أو طفرات تؤدى بهم للإصابة بأمراض قاتلة كالسرطان وغيره.
وقريبا، سيكون متاحا جهاز للتصوير بالرنين المغناطيسى مخصص للأطفال حديثى الولادة، طوره العلماء فى عام 2017 وثبت أنه آمن بما يكفى لاستخدامه على هؤلاء الأطفال.
من جهة أخرى، يعتبر العلماء أن اكتشاف الكهف الضخم داخل هرم خوفو ، والذى تناولناه بالتفصيل فى مقالة الأسبوع الماضى، من أكثر الاكتشافات طرافة وغرابة فى العام 2017، وقلنا إن هذا الاكتشاف يُعد من "أهم اكتشافات القرن الواحد والعشرين فى مجال الآثار المصرية"، لأنه سيفتح الباب لكثير من النظريات العلمية المتعلقة بطريقة بناء الهرم.
وإذا كنا على مدى عقود طويلة من الدراسة والعلم نعتبر العالم سبع قارات فقط، لكن ها هو العلم يكشف لنا فى عام 2017 عن القارة الثامنة المفقودة على كوكب الأرض، وتقع بين نيوزيلندا وكاليدونيا الجديدة، قد سُميّت قارة "زيلانديا"، وهى مغمورة بمياه المحيط حاليا، لكنها لم تكن كذلك فى السابق، ويؤكد الباحثون صحة هذه النظرية بعد عثورهم على عدة حفريات ودلائل تشير إلى وجود أصناف نباتية وكائنات حية كانت تعيش على هذه القارة سابقا.
وفضائيا، سجل العلماء فى عام 2017 كيفية تشكل عدة معادن فى الفضاء، بعد أن شاهدوا عملية اصطدام نجمين نيوترونيين على بعد 130 مليون سنة ضوئية من كوكب الأرض، وهو ما نتج عنه تشكل ملايين الأطنان من الذهب والبلاتين، بالإضافة إلى الفضة، كما اكتشف علماء الفلك سبعة كواكب ضمن نجم "ترابيست-1" القريب من كوكب الأرض، التى قد تكون صالحة للحياة أو تحتوى على حياة فضائية أخرى، وهذه الكواكب ستكون موضوع دراسات أكثر عمقا فى المستقبل، لأنها تبعد عن الأرض بحوالى 40 سنة ضوئية فقط.
ذلك غيض من فيض إنجازات العلماء فى عام 2017، مع خالص تمنياتنا مرة ثانية أن يكون عام 2018 أسعد حظا من عام 2017 بإضافة المزيد من الإنجازات فى شتى مجالات العلم، حتى لا يتعجل الناس ساعة رحيله غير مأسوف عليه!.