Close ad

دفتر أحوال الجامعة المصرية (8) - تجديد الخطاب الجامعي

15-12-2017 | 09:19
دفتر أحوال الجامعة المصرية   تجديد الخطاب الجامعيجامعة القاهرة احدي الجامعات المصرية
مصطفى الضبع
موضوعات مقترحة

بدوافع لا علاقة لها بالواقع، بادرت بعض الكليات بالإعلان عن مؤتمرات ولقاءات لتجديد الخطاب الديني (وليس لنا أن نطرح هنا نتائجها أو نقلل من شأنها أو من شأن ما ينفق فيها)، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه؛ وماذا بعد؟ وهل حققت هذه اللقاءات ما استهدفته؟ وهل قدمت إحدى هذه المؤسسات تغذية راجعة أو نتائج ملموسة لما عقد من فعاليات ولما أنجز من ندوات واحتفاليات لم تستهدف في معظمها سوى خدمة أفراد والتأكيد على طغيان نظام الشو الإعلامي دون أن يتغير شيء.

 

وإذا كانت الجامعات المصرية تغطي معظم محافظات مصر فما دورها أو ما مؤشرات أدائها في خدمة المجتمع، خدمة حقيقية تكون بمثابة قاطرة التنمية في مجتمعاتها وفق ما تعارف عليه المجتمع الأكاديمي واستهدفته جامعات العالم فحققت وأنجزت، لم يحدث ولن يحدث لأن الأمور لا تسير بطريقة علمية أو وفق مقتضيات الأعراف الجامعية ولأننا في حاجة إلى إصلاح البيت من الداخل وإصلاح مجموعة المصابيح أو تغييرها ليكون البيت أكثر إشعاعا لما هو خارجه، والجامعة في حاجة إلى تجديد خطابها المعرفي والتربوي والعلمي، والحاجة ملحة للخروج من الأزمة أو معالجة أوضاع كشفت عنها وقائع مرت دون حتى مجرد تأملها. 

 

في واقعة تمت فصولها منذ سنوات قام بعض الطلاب باحتجاز بعض أساتذتهم في مبنى إحدى الكليات، وبعد ثورة يناير تعددت الوقائع التي كان أبطالها طلاب يسيئون التعامل مع أساتذتهم فتعدوا عليهم بالقول والفعل (واقعة طالبات الأزهر مع أستاذتهن مثلاً)، وجميعها وقائع تكشف عن خلل تربوي، وقائع مرت مرور اللئام لأنها لم تجد من يدرسها بوصفها خرقا لقوانين التربية وانتهاكا لحرمة الجامعة، يضاف إلى ذلك عشرات الوقائع (المتكررة) التي يعرفها الجميع عن مخالفات يرتكبها الجامعيون .

ولأن فاقد الشيء لا يعطيه فليس بإمكان الجامعة أن تجدد خطابا دينيا مالم تجدد خطابها الموجه للمنتسبين إليها (طلابا وأساتذة) ولمن يطمحون للانتساب إليها، وللمجتمع الذي تمثله، على الجامعة مراقبة خطابها مراقبة صارمة، فتتخلص من ثلاثة أشياء قاتلة: أخلاقيات لم تعد صالحة للعمل الجامعي (أخطاء يتسبب فيها البعض مما جعل أخبار الجامعة تغير عنوانها إلى صفحة الحوادث) –مشكلات البحث العلمي وأخلاقياته المهدرة - طرائق للتدريس والتعليم عفا عليها الزمن .

ولإصلاح الأوضاع ليس مطلوبا فقط أن تقدم الجامعة برامج ذات طابع تربوي وإنما عليها أن تطرح أفكارا تسير من خلالها في عدد من الاتجاهات من أهمها:

- ربط الطالب بروح المقررات الدراسية وربطها بالواقع وإبراز الجوانب التربوية فيها، فما لا يدركه الكثيرون (لا يوجد علم ليس له ظهير تربوي، فكل العلوم تقدم شقين أساسيين : المادة العلمية من حيث هي تنظير أو تطبيق وخلافه ، وروح العلوم ممثلة فيما يمكن للإنسان أن يقتبسه من قيم ، فدراسة اللغة مثلا تمنح متعلمها حصيلة لغوية ونظاما للتواصل وقدرة على التعبير غير أنها تقدم زادًا تربويًا يتمثل في قيمة النظام التي تربي الإنسان على فهم كثير من أمور حياته فهما صحيحًا يجعله قادرًا على اكتشاف عالمه فاللغة لا تعمل إلا بنظام ، والمفردة تتعدد معانيها وفق سياقاتها المختلفة ، والإنسان الفرد يشبه المفردة اللغوية يكون فاعلاً في سياقاته المختلفة ، وقيمته ليست في فرديته بقدر ماهي في دخوله في الجماعة البشرية وهكذا يمكن لكل علم أن ندرك جوانبه التربوي غير أن طرائق جامعاتنا القائمة على الحشو والتعبئة والتعليب لا تتوقف عند هذا الجانب  وإنما تصر على اعتناق فكرة أن العلم ماهو إلا كمية من المعلومات تقوم على الكم وليس الكيف ، وأن العملية التعليمية بالأساس تقوم على توصيل هذا الكم لتخزينه في أذهان المتعلمين . 
- الحرص على تقديم القدوة الحسنة للطلاب وهو ما لا يتحقق إلا بالسير في خطين متوازيين أولهما: بناء شخصيات قادرة على القيام بذلك أي تكون قدوة للطلاب ، وثانيهما : أن تتخلص الجامعة من كل من لا يصلحون قدوة حسنة لطلابهم وهو ما ينظمه قانون تنظيم الجامعات (تنص المادة السادسة والستون من قانون تنظيم الجامعات على شرط تعيين عضو هيئة التدريس : أن يكون محمود السيرة حسن السمعة ) مع الوضع في الاعتبار أن شرط حسن السير والسلوك الذي يفرضه القانون على من يشتغل بالعمل الجامعي ليس شرطا مؤقتا ينتهي فور تحصين قرار التعيين بمرور ستين يوما وإنما شرط دوام ، زواله يعني زوال ما ترتب عليه ( على سبيل المثال كل القوانين والأعراف تؤكد أن السرقة جريمة مخلة بالشرف ، فإذا ماحكم القضاء على عدد من الأساتذة بأحكام تثبت ارتكابهم السرقةمما يعني زوال شرط حسن السير والسلوك فماذا يكون الموقف من هؤلاء ألا يعد الإبقاء عليهم معناه ترسيخ أفعالهم في أذهان الأجيال وتحويلهم إلى نماذج تكون الفرصة متاحة لتكرارها).
- تأكيد الجامعة على القيم الإنسانية مستعينة بالفلسفة (محبة الحكمة) ووضع المواثيق الأخلاقية المنظمة للعلاقة بين الطالب وأساتذته وبين الطالب والمؤسسة بوصفها مكانا لا يصح فيه ما يصح في غيره وأن يلتزم الجميع بتطبيق مثل هذه المواثيق. 
- التخلص من ثقافة الجودة القائمة على تستيف الأوراق وتفعيل الجودة نظاما وثقافة وقانون عمل ، فالكثير من الجامعات تتعامل مع عملية الحصول على الاعتماد بوصفها غاية في حد ذاتها أو قمة يتوقف كل شيء بمجرد الوصول إليها ، الاعتماد هو جواز مرور إلى مرحلة أهم تحقق نتائج هي المستهدف الحقيقي من الجودة والسؤال الذي لابد أن يطرح كيف كانت أوضاع المؤسسة قبل الاعتماد وبعده ؟ ، هل تغير الأمر أم أن الحصول على الاعتماد مجرد مناسبة  ينفض المولد بعدها ؟.

 

 
كلمات البحث
اقرأ ايضا:
الأكثر قراءة