مصر غالية عليَّ، هي ضى العين والنني، وكبدي، هي عزوتي وناسي، من غيرها أنا عدم، والحياة في غيرها ندم.. كلام حقيقي وليس أغاني.. شربت حبها من نيلها، رضعت خيرها من صدر أمي، عشق أرضها وصية أبي وجدي.
لست شاعرًا لأكتب قصيدة، ولكني مصري مولود من طين مصر، وأريد لكل أبناء مصر أن يحبوها كما أحببتها أنا، وكما أحبها ولا يزال أبناء جيلي، الذين مهما قست عليهم، تظل هي غالية، عالية فوق كل الأسامي، هي معنى كل المعاني.
للأسف تابعت من منطلق حبي للفن خلال الأيام القليلة الماضية عددًا من المهرجانات الفنية، التي يحمل بعضها اسم مصر البلد الكبيرة اسمًا ومقامًا وبشرًا، وكما شهدت بذلك الجغرافيا والتاريخ، حتى وإن كان بعض هذه المهرجانات حمل اسم " الجونة " أو " الإسكندرية "، مثل "مهرجان الجونة السينمائى الأول"، و"مهرجان الإسكندرية السينمائي"، و"مهرجان الأغنية ب الإسكندرية ".
ووجه الأسف هنا، وقبل أن أفسره، وحتى لا يعتقد أحد أنني لي موقف سلبي من هذه المهرجانات أو من فنان أو فنانة بعينها، أقول إني سعيد، وأرحب بكل نشاط فني وثقافي يقام على أرض مصر، لأنه دليل وشاهد على أن هذا البلد دائمًا حىيُ لا يموت، لا تؤثر فيه المحن، ولكني أعتب على صُناع القدوة والمثل من فنانين وفنانات، تُقام من أجلهم هذه المهرجانات، ليرى الناس ثمرة عملهم وجهدهم، وكي يتشاركوا الخبرات مع غيرهم من خلالها، وحتى يتواصلوا مع جمهورهم الذي من المفروض أن يتعلم منهم ويأخذ القدوة والمثل لكل ما هو أفضل وأصلح .
بهرني حقيقة الإقبال الفني على "مهرجان الجونة السينمائي" برغم أنه مهرجان "رضيع" بين المهرجانات المصرية، وهذا يُحسب لأصحابه، من ممولين ومنظمين، ولكن ما لم يسعدني هو أن الكثير من الفنانين والفنانات الذين ذهبوا إلى الجونة ، كانت وجهتهم " الجونة " القرية والمنتجع أولًا، حيث الرفاهية والمتعة والاستمتاع، أزواج وزوجات وأصدقاء وصديقات!!
لا أعمم أحكامي، فهناك من كانت لهم أعمال شاركوا بها خلال فعاليات المهرجان، وللأسف هؤلاء كانوا قلة، وبعضهم خرج عن الأدب واللياقة، وتجاوز في حق جمهوره، وفي حق الإعلاميين، الذين تسامحوا في حقوقهم.
بعض الذين ذهبوا إلى منتجع الجونة وقضوا أيامًا سعيدة، يحجمون في الوقت نفسه عن المشاركة في المهرجانات التي تحمل اسم بلدهم مصر، التي يتغنون باسمها – تمثيلا- في بعض أعمالهم وأناشيدهم، وهذه هي الحقيقة التي كشفت عنها أيام وليالي مهرجان الإسكندرية السينمائي، فبرغم جهد الزميل والصديق الناقد الفني رئيس المهرجان الأمير أباظة، وبرغم الملايين التي صرفتها وزارة الثقافة من أجل راحتهم، فلم نر أيا منهم أو منهن، حتى ولو على السجادة الحمراء يوم الافتتاح، ذرًا للرماد في العيون، ومن حضر الافتتاح " فص ملح وداب" في الختام.
نعم هذا التصرف من بعض فنانينا الذين المفروض أنهم "القدوة والمثل" لشبابنا وفتياتنا، ويخرجون عليهم من الشاشات يصدعون رؤسهم بحب مصر والعمل من أجل مصر، عندما تناديهم مهرجانات مصر يغمضون أعينهم ويسدون آذانهم ولا يلبون الدعاء، البعض – من الخبثاء - فسر هذا العمى الفني أو التعامي- بمعنى أدق- عن المهرجانات المصرية بأن هذه "مهرجانات ناشفة" ليس فيها هدايا أو مشهيات تفتح شهية من يقبلون عليها، وحتى لو كنا ضد هذا التفسير، ونربأ بفنانينا صُناع المثل والقدوة أن يكونوا ممن ينطبق عليهم هذا التفسير، إلا أنني بالفعل أوجه إليهم السؤال صارخًا فيهم- حقيقة وليس تمثيلًا- أليست هذه مصر التي نحبها جميعًا، والمفروض أنكم تحبونها كما نحبها.. لماذا إذن تيممون وجوهكم شطر المهرجانات العربية، أو المهرجانات المصرية الخاصة، وتغيبون مع سبق الإصرار والترصد عن مهرجانات مصر؟!
أنا لا أنتظر إجابة، فكلنا نعرف الحقيقة، وهي واضحة كالشمس، وأنتظر منكم يا أهل الفن، وخاصة من يحبهم الشباب والفتيات، نجوم مصر الكبار، الزعيم الذي أعطاه الشعب هذا اللقب، و أحمد السقا ، و كريم عبدالعزيز ، و هنيدي ، و أحمد عز ، و أحمد حلمي ، ومنى زكي ، و منة شلبي وغيرهم وغيرهن، كونوا بالفعل كما أراد لكم الشعب، أحبوا مصر كما تقولون لشبابنا، أحبوها كما نحبها، كما يحبها الجندي الواقف على الحدود، والشرطي الساهر على أمننا، أحبوها فعلًا لا قولًا فقط، أحبوا مهرجاناتها كما هي، لا تتعالوا عليها، ولا تنسوا أن مصر هي التي صنعتكم، وأن المصريين هم الذين صنعوا نجوميتكم.
لا أطالبكم بعدم الذهاب إلى مهرجانات أبوظبي أو دبي أو الكويت، أو قرطاج أو وهران أو الرباط أو أي مهرجان عربي آخر، فكل بلاد العرب أوطاني، وأقول لكل هؤلاء إننا تعلمنا أن"من لا خير فيه لأهله لا خير فيه للناس، "ومرة أخرى يا أهل الفن" أحبوا مصر كما تحبكم، وحبوا أهلها كما يحبونكم".
Dr.ismail52@gmail.com