تخرج من الأكاديمية البحرية وتسلم عمله على مركب عملاق ينقل مشتقات البترول عبر البحر.. احترف السفر والغياب، وكان سعيدًا بعمله، لكن حبه للفتاة التي عاهدها على الزواج كان أقوى.. وحسب رغبة والدها كان عليه أن يجد عملًا آخر على الأرض؛ حتى لا يترك زوجته الجميلة الشابة وحدها، وهى ابنة العائلة الكبيرة وفوق ذلك حب العمر.
كان (س) ذا قلب جسور مغامر محب للحياة لا يخاف التغيير، ولا يتمسك بالمضمون.. فتح مكتبًا صغيرًا للدعاية والإعلان، وساعدته علاقات عائلته المهمة على الاتصال برؤساء البنوك والشركات العالمية، ولكل رئيس ومدير سكرتيرة، وفي معظم الحالات كانت السكرتيرة ذات جمال آسر، وابتسامة ساحرة، إن أبدتها للسيد (س)؛ عرف أن الباب فتح ليثني على أناقتها وحسنها، ويأتي المرة المقبلة وفي يده زجاجة برفان غالية تليق بها..
وهكذا لم يكن (س العجيب) يترك فرصة إلا ويوقع العقد ويتولى مكتبه إنتاج هدايا الدعاية في السنة الجديدة للبنك أو للشركة العالمية المقصودة.
وكان الرقم المرصود في كل عقد يعوضه عن الجهد والتخطيط، وهدايا تسهيل الأمور، ويحقق له مكاسب طائلة أعانته على فتح بيته الجديد، والاستمتاع مع عروسه التي تعشقه ويعشقها.
كانت الحياة لذيذة.. بل منتهى اللذة، لم يشوبها إلا غيرة زوجته عليه كلما ازداد تألقا ونضجا، وصار أكثر نجاحًا في عمله واتسعت علاقاته وزاد رصيده في البنك!
وارتفع معدل الغيرة حتى صارت ثورة للشك، وهياجا كالبحر الغاضب يجتاح الشواطئ ويغرق الأرصفة ويعطل (المراكب السايرة) ويوقف الحال ويجلب النكد يوميًا، فلم يطق(س) صبرًا على تلك الغيرة المجنونة، وبنفس جرأته على توجيه دفة الأحداث في حياته، قرر برغم حبه الشديد أن يطلقها!!
وافترق الزوجان العاشقان بعد سنوات الصداقة العميقة والحب الطويل، والزواج الذي بدأ سعيدًا موفقًا.. ويبدو أنها كانت علامة شؤم لفترة أزمة كبيرة باغتت عمل (س) بلا مقدمات حين صدر قرار وزاري رسمي لجميع البنوك والشركات الكبرى، أن تستبدل الملايين التي تنفقها سنويًا على الهدايا والدعاية، وتوجهها للنشاط الأهلي الخيري الاجتماعي؛ بأن تضع اسمها مثلا على سيارات الإسعاف والمطافئ، أو تجمل الميادين، أو تدعم مؤسسات رعاية الأطفال، وتعليم غير القادرين.
وهكذا في غمضة عين أفلس (س)، وخسر كل عملائه وبارت بضاعته، وبعد تسديد مصاريف الطلاق ومؤخر الصداق وخلافه لم يبق معه غير 50 ألف جنيه أولًا عن آخر.
بشخصيته الجريئة المعتادة قرر أن يبدأ مغامرة جديدة، فاستأجر محلا في حي راق، وفكر أن يبيع فيه الأكلات الشعبية زهيدة الثمن التي لم يتعود عليها سكان هذا المكان.
وفي أول يوم طبع دعاية باسم المحل مكتوبًا فيها (الأكل اليوم مجانًا) ووزعها في جامعة القاهرة صباحًا.. وقبل أن يؤذن لصلاة الظهر كان الشارع مكتظًا بطوابير الطلبة والشباب والبنات الجميلات والجمهور الفضولي من مختلف الطبقات أمام محله!
ذاعت شهرة المحل، وصار فيما بعد أشهر علامات الأكل الشعبي في مصر.
استعاد (س) عافيته، وعاد المال يتدفق على جيبه، وصارت له حسابات كبيرة في عدد من البنوك، تزوج سيدة جميلة جدًا وعاقلة جدًا، وأنجب منها بنتين جميلتين..
آخر مرة جلست أتناول فطوري في محله الشعبي الممتاز حكى لي (س) وهو يضحك عن بواب العمارة الذي اتخذ من صورته بالعمة والجلباب شعارًا لمحلاته عله يجلب له الحظ السعيد..
وبعد فترة مشي حال المحل كأحسن ما يكون، وصارت له فروع عديدة، لكن البواب اختفى.. واكتشفوا أخيرًا أن شرطة تنفيذ الأحكام تطارده، وأنه قتل 6 أشخاص في قضايا ثأر وهرب من الصعيد للقاهرة، ولا يزال هاربًا والبحث عنه مستمر!!!