Close ad

دروس من التجربة الصينية لتحديث مصر المحروسة (4 – 4)

12-9-2017 | 00:06

كم لفت انتباهي أن وزير النقل في الصين ليس أستاذًا جامعيًا، ولا وزير الري، ولا أي قيادات أخرى، فهناك رؤية الحزب وبرنامجه، وكل من يأتي للسلطة هو باختيار الحزب، والتصويت عليه في البرلمان.

ورئيس الوزراء وهو الرجل الثاني في قيادة الحزب بعد الرئيس، الذي هو الأمين العام للحزب، وهو أيضًا رئيس اللجنة العسكرية المركزية العليا للقوات المسلحة فهو أقرب للنظام الأمريكي.

إن رئيس الصين لديه مفتاح القوات النووية، وأسلحة الدمار الشامل، ولديه قرار الحرب بعد موافقة الكونجرس، والرئيس لا ينفرد باتخاذ أي قرار مهم، فهو يرجع للمؤسسات المتعددة ومراكز الأبحاث قبل اتخاذ أي قرار؛ سواء في تجارب الصين أو تجارب أمريكا.

الوزير في أمريكا يتم الموافقة عليه من مجلس الشيوخ، والوزير في الصين يتم التصويت عليه من مجلس النواب، ويترشح من الحزب.

ليس هناك مسئول يأتي نتيجة أنه أستاذ جامعي، أو أنه مسئول إداري، أو مسئول في أي مؤسسة أمنية أو سياسية، أو قريب لأحد كبار المسئولين، إنما لأنه خبير وتمرس وتدرج في الكادر الحزبي، ويتم التصديق عليه، ومن هنا يحدث التقدم من خلال الثواب والعقاب، إذا أجاد يتم ترفيعه لدرجة أعلى، وإذا أخطأ - مهما كان منصبه ومكانته في الحزب - يتم إقالته والتحقيق معه، مثلما حدث مع عمدة بكين العاصمة، وعمدة شنغهاي العاصمة الثانية وغيرهما.

من هنا نجد التقدم في الصين أحسن من التقدم في الدول الرأسمالية ولذا تقدم الاقتصاد والثقافة والسياسة وفقًا لخطط موضوعة ومعدة من مراكز الأبحاث والدراسات العديدة في الصين ثم تبحث في دوائر الحزب على مستويات مختلفة، ثم تعتمد من الحزب كما تعتمد من البرلمان، ثم من قيادة الحزب صاحبة القرار النهائي.

وليس هناك مسئول يتخذ قرارات انفرادية أو عشوائية، ولكن كل مسئول يحاسب على قراراته والنظام الصيني يجعل على كل مسئول مسئولًا آخر غير أجهزة الرقابة المتعددة؛ فالمحافظ أو العمدة هو المسئول الإداري، وله صلاحيات الرئيس في المحافظة أو أي مستوى إداري، والرقيب هو أمين الحزب في المحافظة أو المدينة، وهو يراقب، ولكنه لا يتدخل في القرار الإداري، ويمكن أن ينصح المسئول الإداري أو يرفع تقريرًا عما يراه من أخطاء للقيادة العليا وهكذا.

ثم هناك الأجهزة الرقابية الأخرى، وهي أيضًا متعددة؛ لذلك لا تحدث في الصين حوادث مثلما يحدث في مصر أو غيرها من البلاد النامية أو حتى بعض البلاد المتقدمة.

وأذكر أن اللواء هتلر طنطاوي رئيس الرقابة الإدارية الأسبق زار الصين عندما كنت سفيرًا وأجرى مباحثات مع نظرائه من الصينيين فاعترفوا له بحجم الفساد الكبير في الصين، وبمن تم معاقبتهم من مختلف مستويات الحزب والإدارة الحكومية دون خجل.

ونظر أعضاء الوفد المرافق له لبعضهم تعجبًا من الشجاعة الأدبية والصراحة والاعتراف لوفد أجنبي بالفساد الموجود في بلادهم، وبالطبع في ذلك الحين لم يكن يقارن بما كان في مصر آنذاك؛ فنحن بحكم ثقافتنا نخجل من الاعتراف بأخطائنا للأجانب، ونرى ذلك عيبًا كبيرًا، أما في الثقافة الصينية، فلا يخجلون مطلقا من ذلك.

وأذكر أنه قبل زيارة الرئيس الصيني لمصر في يناير 2016 تحدثت في البرنامج التليفزيوني في القناة الثانية المصرية "برنامج بنصبح عليك" عن الزيارة وتوقعاتي ومقترحاتي بشأنها وأشرت للقطار الصيني فائق السرعة، والذي أدخلته الصين في بعض الدول الإفريقية جنوب الصحراء بقروض ميسرة.

وهناك أيضًا ما يعرف ببرنامج الإنشاء والإدارة والتسليم BOT للمشروعات في علوم الاقتصاد وإستراتيجية التنمية، وهذا يمكن من خلاله التغلب على نقص التمويل أو العملات الصعبة لدى أي دولة.

وأنا أنقل ذلك لمصرنا الحبيبة في عصرها الحديث المبشر بكل خير بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي الرجل النزيه الأمين الذي تبرع بثروته للدولة، والذي قدم نموذجًا في التبرع لبرنامج "تحيا مصر" وإنجازاته.

كما نقلت ما يحدث في الماضي ونشرته الصحف وسجلته في تقارير السفارة لوزارة الخارجية، بل نشرت بعضه في مقالات الصحف عندما كنت سفيرًا في الصين.

إنه يؤلمني أشد الألم أن دولًا كثيرة حولنا كانت قرى صغيرة أصبحت مضرب المثل في التقدم، ولنا المثل الأهم وبدون حساسيات من دولة كانت جزيرة صغيرة بلا موارد طبيعية أو بشرية، أصبحت في مقدمة الدول الرائدة، وكتب زعيمها كتابه ونشره عام 2000 بعد تقاعده بعدة سنوات من المنصب، وترك الدور والمهمة للقيادات التالية، وهو يراقب من بعيد كأب روحي للنظام الذي أصبح حديث العالم، وهو نموذج قائم وحقيقي؛ والهدف من كتابه أن تستفيد منه الدول الأخرى ويتعلم الشعب في سنغافورة ماذا كانت بلاده، وكيف حدث التقدم فيها؟!

كاتب المقال:
مساعد وزير الخارجية السابق

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
مسلمو الروهينجا في ميانمار بين الدين والسياسة (3 - 3)

إن القوة الاقتصادية للدول العربية والإسلامية لم تستغل لمصلحة المسلمين الفقراء في الدول غير الإسلامية، وخاصة لحماية هؤلاء ضد قمع الدول التي يعيشون فيها،

مسلمو الروهينجا في ميانمار بين الدين والسياسة (2 – 3)

تحدثنا في المقال السابق عن أنه منذ عام 2015 طور الجيش الميانماري قمعه للروهينجا من مجرد الاضطهاد والقمع إلى التطهير العرقي؛ بدعوى أنهم لا ينتمون إلى أهالي

مسلمو الروهينجا في ميانمار بين الدين والسياسة (1 - 3)

برغم اهتمام العالم منذ بضع سنين بأحوال المسلمين في ميانمار الذين ينتمون إلى عرقية الروهينجا، فإن هؤلاء يوصفون في الإعلام بأنهم الأقلية الأكثر اضطهادًا في العالم.

دروس من التجربة الصينية لتحديث مصر المحروسة (3 – 4)

ماذا في التجربة الصينية التي أقامها دنج سياو بنج؟ قامت تلك التجربة على أساس الأخذ بمبدأ تغيير قيادات السلطة بصفة مستمرة فلا يتجاوز أي مسئول مدة خمس سنوات في منصبه..

حوادث القطارات في مصر ودروس من التجربة الصينية (1-4)

لقد مرت الصين بتجارب جديرة بالاهتمام في علوم الإدارة والسياسة والاقتصاد والثقافة، وهو ما حقق لها الانطلاق بسرعة هائلة في شتى الميادين. عندما وصلت الثورة

قناة السويس الجديدة وطريق الحرير البحري

في 6 أغسطس 2014 دشن الرئيس عبدالفتاح السيسي مشروعًا طموحًا تم إعداده بدقة لتوسيع قناة السويس لتتماشي مع التطورات العالمية في مجال النقل البحري، وخاصة سفن الحاويات العملاقة.

الأكثر قراءة