Close ad

صورة المرأة الأجنبية عند يوسف إدريس (1-4)

24-7-2017 | 12:29
صورة المرأة الأجنبية عند يوسف إدريس يوسف إدريس
د. مجدي العفيفي

أما قبل: في مثل هذه الأيام فارقنا الكاتب العظيم يوسف إدريس (19 مايو 1927 - 1 أغسطس 1991)، تاركًا روائع قصصية وروائية وفكرية، متجاوزة الأربعين كتابًا، وقادرة على اختراق الزمان والمكان والإنسان، لتتحاور مع الأجيال والمجتمعات والإنسانية، والمحلية هي أصدق الطرق إلى العالمية.

موضوعات مقترحة

تشكل أعمال يوسف إدريس القصصية مساحة واسعة ومتمايزة في عالم الإبداع الفني، بما تطرحه من رؤى عميقة ومتطورة للإنسان والعالم والكون، وبما تحمله من معطيات فكرية ذات مرجعيات معرفية وأخلاقية وجمالية، وبما تصوره من أبنية وأنساق فنية يفضي بعضها إلى بعض عبر منظومة متناسجة في تجلياتها السردية، على امتداد حوالي أربعين عامًا، باتساع أفق إحدى عشرة مجموعة قصصية، وسبع مسرحيات، وتسع روايات، وثلاثة عشر كتابًا من المقالات، في ثنايا حياة امتزج فيها الإبداع الأدبي بأوضاع الصراعات السياسية والتحولات الاجتماعية والتناقضات الإنسانية والمواقف العملية والفكرية سواء على المستوى التاريخي أو الاجتماعي، فتجلت أعماله وحدة إبداعية واحدة على تباين أشكالها وتعدد مستوياتها.

تكونت منظومة يوسف إدريس القصصية عبر حقبة زمنية من أكثر الحقب في التاريخ المصري المعاصر توترا على الصعيد السياسي، وعلى المسار الاجتماعي، وعلى المشهد الثقافي، منذ المد الثوري والقومي في مطالع عقد الخمسينيات، وبالتحديد مع ثورة 1952 بكل تجلياتها الواعدة، وانتهاءً بمغارب عقد الستينيات وبالتحديد مع هزيمة يونيو 1967 بكل تداعياتها المظلمة، وقد تخلقت رؤية يوسف إدريس للعالم عبر عالمه القصصي تشكيلًا ودلالة، من خلال إدراكه الشامل للواقع الموضوعي ككل متكامل، وهو واقع كانت متغيراته أكثر من ثوابته إلى حد كبير.

تخلصت هذه المنظومة الإبداعية إلى حد كبير من التباسات الواقع السياسي والاجتماعي- وإن كانت مرتبطة بلحظتها المتعينة تاريخيًا - لتستبقي الجوهر الأصيل الذي لا يزال يضيء بالقيم فى إنسيابها عبر الزمان والمكان وتجاوزها إطار الجزئي والتاريخي إلى الكلي والإنساني، ولذلك تبدو ذات يوسف إدريس الفنية متفاعلة ومتداخلة في ذوات الآخرين واضحة في كل أعماله.

وبهذه المناسبة تطرح هذه السطور رؤية حول شخصية المرأة الأجنبية عند الكاتب الكبير طبقًا لمنظوره القصصي. يطرح يوسف إدريس رؤيته للمرأة بمنظوره الإيديولوجي النابع من تعامله الروائي مع قضية المرأة ككل مشكلة إنسانية مشروطة بظروف مجتمعها متأثرة به ومؤثرة فيه، وليست قيمة مطلقة معلقة في الفراغ أو معزولة عن المشاكل الإنسانية، على أساس أن العلاقات الاجتماعية المختلفة يحكم بعضها البعض، فتؤثر في بعضها البعض، بصورة تجعل لهذه العلاقة خصوصيتها في كل مجتمع، وتتغير هذه الطبيعة زمنيًا ومكانيًا، بل وبين أفراد المجتمع الواحد، ومن ثم ترسم النصوص صورة سردية للمرأة، تمنحها دقة في التفاصيل، انطلاقًا من رؤيته لدور للمرأة وقيمتها، وهي رؤية تتسم بالعمق والانفتاح، تعرض داخل الإطار الروائي العام بتعدد ألوانه والمنظور الفكري على تباين سياقاته.

وإذا كانت شخصية المرأة المصرية تشغل مساحة مميزة وواسعة في عالم الشخصيات التي تصورها روايات يوسف إدريس، ببيئتها: الريفية والمدنية، وبنوعيتها وأزمتها:المثقفة الثورية مثل فوزية في (قصة حب) والخادمة في (قاع المدينة) والموظفة في "العيب" والأجيرة المزارعة في "الحرام" وربة البيت في "النداهة، والعسكري الأسود" وبائعة الهوى في "نيويورك 80".

وإذا كانت كل شخصية من هذه الشخصيات تحمل قضيتها عبر تباينها زمانًا ومكانًا ونوعًا من خلال عقدة تعترض مسارها، أو موقف يضعها في صدام مع الواقع، أو أزمة تشارك هي في صنعها، فتلتحم بأزمة المجتمع الذي تعيش فيه، ليس فقط كمشاكل وهموم وعذابات يومية، أو إشكالياتها كامرأة وأنثى فحسب، بل كمشكلة وجود في المجتمع الذي يضع المرأة تحت عناوين مختلفة مثل الحرام والعيب والخطيئة (ينظر الفصل الثاني من هذا الباب حول أزمة الشخصية بين الكشف والتحول والمصير) فإن يوسف إدريس يعرض أكثر من صور لشخصية المرأة الأجنبية، ثورية ومناضلة وسياسية وعاملة وطبيبة وبغي، حيث يجسد أربع شخصيات نسائية أجنبية في ثلاث روايات، فهناك سانتي اليونانية، ولورا الفرنسية في رواية "البيضاء"، والسيدة النمساوية التي لم يذكر اسمها في رواية "فيينا60" ثم المرأة الأمريكية باميللا جراهام المعالجة النفسية البغي في رواية "نيويورك80".

تجلت كل شخصية من هذه الشخصيات كمرآة كاشفة لتكوين وعي مغاير لوعي الشخصية الرئيسة، وأداة تجريب لاكتشاف الآخر أو الضفة الأخرى، وعدسة عاكسة لذات الرجل التي تضطرم بالكثير من الأفكار والعواطف، وتحتدم بالرؤى المحملة بالتناقضات الإنسانية، الذاتية منها والموضوعية، في مواجهة الآخر والتعامل معه، أكان ذلك بالانبهار والافتتان به والاستسلام له، أو بتحديه ومحاولة إخضاعه، أو باتخاذ موقف الندية منه فكرًا وسلوكًا إلى درجة التعالي عليه وعيًا ونقدًا.

حاول يوسف إدريس في هذه الروايات أن يكون متوازنا في تصويره لطرفي قضية الذات والآخر، إلا أنه يؤكد رؤيته في الوقت نفسه، تلك التي يلخصها المبدأ الباختينى "إننا نخفق في النظر الى أنفسنا ككليات، ولذا فإن الآخر ضروري" وهو عين المبدأ الذي يجسده بأن تصوراتنا الزائفة أو المبالغ فيها عن حضارة ما أخرى، تنبع من العمق من تصور فهمنا لحضارتنا نحن، وأن لقاءً صادقًا بين حضارتين لا يمكن أن يكتمل قبل الإدراك الصحيح لإمكانات الذات أولًا.## ## ## ## ## ## ## ## ## ##

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة