Close ad

الرئيس التونسى: قضيت 20 سنة تحت مراقبة البوليس السياسي.. واليوم أصبح يحميني

25-12-2011 | 14:10
بوابة الأهرام
قال الرئيس التونسي منصف المرزوقي، إن الأيام مرت بسرعة بعد قضائه 20 سنة تحت الاتهام ومراقبة البوليس السياسي، ولكن هذه المرة البوليس أصبح يحميه، مشيرًا إلى أن التغير هذه المرة في موقعه بالدولة، الذي يعد أفضل كثيرا، ليس لنفسه وإنما لشعب تونس.

وأكد في حوار خاص لبرنامج "الحياة اليوم" مساءأمس، أن إحساسه بعد الثورة لا يوصف، وأن الشعب التونسي منحه هذه الفرصة، وأشار إلى أن الديكتاتورية في تونس دمرت النظام الصحي والقضائي والنظام التعليمي والأمني، والسياسي بالأخص، حيث كان يدور حول شخص واحد فقط. إنما الآن نحن بصدد إعادة البناء فوق الخراب، لكل هيئات ومؤسسات الدولة، وأولها مؤسسة المجلس التشريعي لأول مرة في تاريخ تونس منذ 3 آلاف سنة، استطاع أهل هذا البلد أن ينتخبوا بكل سلمية وشرعية من يمثلهم، ثم البدء في وضع مؤسسة الرئاسة عندما تم انتخابه منذ أكثر من 10 أيام، والآن نحن بصدد وضع مؤسسة الحكومة التي ستبدأ عملها الأسبوع المقبل، وبهذا نكون قد أكملنا المؤسسات الثلاثة للدولة، وتبقى المهمة الصعبة بناء كل المؤسسات التي خربها الاستبداد.

أشار المرزوقي إلى أن التوافق الذي حصل بين العلمانيين المعتدلين والإسلاميين المتنورين، هو ما يميز التجربة التونسية، فنحن قد أعددنا له طيلة 20 سنة من واقع نقاشات بينه وبين صديقه راشد الغنوشي، والتي أدت أن نقول أن تونس الآن حكومة بين الإسلاميين والعلمانيين المعتدلين، وهي صيغة التجربة التونسية، فلا يمكن أن تحكمنا أنظمة إسلامية وحدها أو علمانية وحدها، خاصة إذا كان النظام الإسلامي متطرف أو النظام العلماني كذلك، فلن يقوم حكم ديمقراطي، وقال المرزوقي "أعتقد أننا نجحنا وهذه التجربة ستعطي تونس ما تريده من استقرار ورخاء".

من ناحية أخرى أشار المرزوقي إلى أن نجاح هذه التوليفة لنجاح التجربة يكمن في عدد من الشروط، أولها هو أن نفهم التعددية في مجتمعاتنا، وقبولها مثل التعددية الاثنية أحيانا، والتعددية السياسية، مؤكدا على ضرورة التعايش السلمي في ظل تلك التعددية وتجاوز العقبات النفسية داخل المجتمع.

وأوضح المرزوقي أن التجربة التونسية طمأنت كل المواطنين التونسييين، حيث أكد أن القائمين على السلطة لديهم الخبرة والإرادة السياسية للتعايش وحل المشكلات، دون الوصول إلى مرحلة من مراحل فساد الدولةوردا على رسائل المؤسسة التونسية الجديدة إلى المؤسسة العسكرية والجيش، قال المرزوقي "إننا لم نكن بحاجة لبعث رسائل للجيش، لأنه من حمى الثورة، ولم يقبل أن يتدخل أو يضر بالمواطنين التونسيين"، كما يحدث في تجربة سوريا، مؤكدا على أن الجيش يحمي الشرعية الثورية في تونس، ولذا لم يجد الثوار صعوبة في التعامل معه. وأوضح أن الجيش قبل بشرعية الصناديق، ووصول حزب إسلامي للسلطة من خلال الانتخابات، فالمؤسسة السياسية لم تكن بحاجة لطمأنة الجيش، وإنما الاعتراف بدوره في حماية الثورة وتمكينه من القيام بدوره.

وأكد المرزوقي أن الأغلبية الحاكمة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار المعارضة، وليس ككما هامشيا، وفي نفس الوقت أشار إلى أن الأقلية لا يجب أن تفرض رأيها، فهي يجب أن تلتزم بوزنها السياسي الذي نتج عن الانتخابات، وأكد أن يرفض ديكتاتورية الأغلبية، وإنما يجب التوازن بين الطرفين، واحترام رأي الأغلبية، مشيرا إلى أنه قرر فتح القصر الجمهوري لكل الآراء والأطياف السياسية.

وأوضح المرزوقي أنه لما انسحب الديكتاتور بقيت رواسب منها في النظام، والآن قد تغير الوضعن وأصبحت قوة الشرعية هي التي تحكم، وقال إنه أراد بعث رسالة طمأنة لكل القوى السياسية والاجتماعية، فنحن لسنا مع الانتقام أو الثأر، ولكن في نفس الوقت أكد أن من يحمل الشرعية هو من يحكم، والقانون هو الفيصل الأساسي في الدولة.

ومن ناحية أخرى أكد أن هناك ثورة مضادة، مشيرا إلى أن هناك عناصر للثورة، هي التي تفقد بها أولوية النظام الديكتاتوري على الثورة، وهي الثروة، والسلطة، وبالتالي حينما يفقد النظام المستبد السيطرة على هذه العناصر، فهم يحاولون استعادتها، والثورات عادة تقوم بمحاكمات والتخلص من بقايا النظام السابق. وإنما نحن في الثورة التونسية لم نقم بهذا وفي نفس الوقت نقوم بمراقبة هذه القوى وخضوعها للقانون، مؤكدا معرفته بأخطار الثورة المضادة وكيفية مواجهتها، للدفاع عن الثورة التونسية بكل الوسائل القانونية والسلمية.

وفيما يتعلق بالوضع في مصر، قال المرزوقي إن الوضع في مصر أعقد من تونس في التعامل مع حماية الحريات العامة خاصة مع صعود التيار الإسلامي، وأشار إلى أنه يجب على المصريين إيجاد التوازن بين كافة الأطراف بقدر ما أوجده التونسيون بشكل نسبي، وأما فيما يتعلق بقبول التعددية خاصة حرية المرأة، فإن الدولة المدنية وظيفتها حماية كل الأطراف، وليس أن تكون طرفا في المعركة، وحماية حريات كل الأطراف والتيارات المتناقضة في المجتمع وإن مصر وتونس مليئة بالتناقضات، ولذا يجب على الدولة المدنية حماية كل الأطراف دون الدخول في صراع لصالح طرف على آخر، كحماية العلمانيين ضد الإسلاميين والعكس. مؤكدا أن الدولة إذا أصبحت طرف في هذه الصراعات تفقد وظيفتها الأساسية في حماية الحريات العامة للجميع.

وأكد المرزوقي أن الدستور هو العقد الاجتماعي لكل الأطراف وإن كتابة الدستور في تونس تعقد المفاوضات بين كل الأطراف والقوى الاجتماعية والسياسية لبناء الدستور، داعيا كل المصريين ألا يتركوا كتابة الدستور للتقنيين من القانونيين والسياسيين، وإنما يجب أن يشارك فيه كل الأطراف الاجتماعية والقوى السياسية، حتى يصبح العقد المشترك بين كل هذه الأطراف في صياغة الدستور.

ومن هنا يصبح للدستور قيمة حقيقية يتمسك به كل المصريين والتونسيين تجميع كل الأطراف مشاركة كل الأطياف في الكتابة والنقاش وحماية حقوق الجميع وطمأنتهم على الورق ثم الدخول للتطبيق.
وأكد أن الدستور جعل للمساواة بين كل المواطنين، والمؤسسات بما فيها المؤسسة العسكرية ولا يمكن إعطاء امتياز للمؤسسة العسكرية أو أي مؤسسة قبلية، وإنما المساواة بين كل المؤسسات بناء على قيم موحدة.
إن الطبقة التي تحكم اليوم كانت تحت قمع شديد طول عقدين، وحصلت مناقشات بين الإسلاميين والعلمانيين، مشيرا إلى الاتفاق على التوافق على حماية حقوق الإنسان، والدولة المدنية، بما يسهل العملية الديمقراطية.

وبعث المرزوقي برسالة للرئيس السابق بن علي، قائلا إن الرئيس يجب ألا يسرق شعبه وحقوقهم، وأن يعطي فرصة منح الناس الحريات، وأكد أنه يشعر بفشل الرئيس السابق، بدلا من تمثيلهم في حماية كرامتهم وحرياتهم وحقوقهم وأموال


وأكد أن كل الأنظمة العربية مبنية على شكل وأسس واحدة من الاستبداد، والقمع لفرض حالة الخوف على الناس، وتزييف وعيهم، مضيفا أنه كان متأكدا من زوال هذه الأنظمة، وأشار إلى أن بن علي أثار كل الإسلاميين والعلمانيين، والقبائل، وكل أطياف المجتمع التونسي ضده، مؤكدا أن كل البلاد العربية صار فيها نفس نموذج الحكم الاستبدادي، وبالتالي كل الأنظمة العربية صار فيها هزة قوية، ورسالة نهاية هذا العصر من الحكم القمعي والخوف، وأن هناك تغير جذري في طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم العربي حاليا. وأوضح أنه كان متأكدا من أن النظام السياسي العربي مات في القلوب والعقول منذ السبعينيات، وأن عملية دفنه ستتم في بداية هذا القرن.
من ناحية ذكر المرزوقي أنه إذا كان القرنيين الماضيين عهد الثورة الفرنسية والصينية والروسية، فإن القرن الحالي عهد الثورة العربية، مشيرا إلى أن كل حاكم عربي لا يفهم العلاقة بين الحاكم والمحكوم فإنه حاكم على نفسه بالزوال.

وقال إن التخوف من تحول ربيع الثورات العربية إلى خريف، حديث غير صحيح، فإن الثورة مشروع مستمر، وأشار إلى أن الثورة الفرنسية استمرت سنوات طويلة لأكثر من 70 سنة، لتحقيق أهدافها، ونحن الآن في مسار الثورة فقد نجد تراجعات وخيبة أمل أحيانا، لكن الخطوة الأولى بدأت ولا يمكن أبدا الرجوع للمربع الأول، ونحن دخلنا المنعطف التاريخي الذي سيؤدي شيئا فشيئا للديمقراطية، واتحاد الشعوب العربية، ولكن ليس من باب القومية العربية القائمة على الزعيم الأوحد والجيش العظيم، وإنما على شاكلة الشعوب الأوربية، حيث كل بلد لها سيادتها وحرية التحرك الداخلي بين الدول.

وأكد الرئيس التونسي دائما على المحاسبة وإعمال القانون لكل من سرق أموال الشعب التونسي، مشيرا إلى أنه كتلميذ لمانديلا وغاندي، فإن تجربة العدالة الانتقالية تحكم أنه يجب تنفيذ القانون تجاه كل من ارتكبوا جرائم واضحة، ولكن من ارتكبوا أخطاء واعترفوا بها، يمكن منحهم العفو، ولذا لا يمكن أن توجد مصالحة حقيقية دون محاسبة حقيقية، والمعيار الأساسي هو أن تتم دون انتقام،

موضحا أن الممكن بعد العفو أن يتم دمج هؤلاء الأفراد أو الأطراف في العملية السياسية.
وفي سياق آخر قال المرزوقي إن عدم تغيير رئيس أركان الجيش التونسي تعد رسالة طمأنة للجيش، وتأكيد على دوره في حماية الثورة والشرعية، مشيرا إلى أن الطبقة المتوسطة ليس لديها أي مشكلات مع الجيش، فهو لا يشكل خطرا، ولا يريد الدخول كلاعبا سياسيا، فالعلاقة طبيعية بين نظام سياسي، وجيش جمهوري يؤدي دوره في حماية البلاد، وطالما يقوم بدوره في إطار شرعي.
وقال إنه أثناء جولته الانتخابية في بنزرت، قابل أم أحد الشهداء، وعلقت له صورة ابنها على بدلته، وعاهدها أنه سيبقي بهذه الصورة على بدلته لحين حل مشكلة الشهداء والجرحى في تونس، وتعويضهم، حيث يعد هذا الملف من أصعب الملفات في تونس بعد الثورة، وقال إنه بعد نجاحه ذهب لزيارة هذه السيدة، مؤكدا أنه سيبقي على هذه الصورة حتى إنهاء مشاكل وحقوق كل الشهداء والمصابين وحقوقهم.

وفيما يتعلق بعدم سكنه في قصر الرئاسة، قال إنه يسكن في فيلا عادية بين كتبه، مؤكدا حرصه على عدم بقائه في ترف القصر الرئاسي، لأن السلطة مخدر تأتي بالملذات وتعتاد عليها، وهو يريد أن يخرج من السلطة معافى.

وفي نهاية حواره للحياة اليوم قال المرزوقي إنه كمثقف عاش طفولته على قراءات نجيب محفوظ معبرا عن آسفه لما حدث من اتهامات لهه بعد مماته بدلا من تكريمه، وتكريم المثقفين، مؤكدا حرصه على أن تبقى مصر كما هي وعودة الاستقرار لها في فترة قليلة، وتمنيه بقبول التعددية داخل مصر.
وقال إنه سيأتي مصر جريا، في أول دعوة له.
كلمات البحث
الأكثر قراءة