منذ أكتوبر الماضي وإيمان المصرية الملقبة بـ"أسمن امراة في العالم"، قصة يتابعها ليس المصريون وحدهم، بل العالم كله، منذ أن انتقلت إلى الهند لتلقي علاجًا لعله يمنحها فرصة للحياة بوزن طبيعي بعد احتجاز قهري في منزلها دام ربع قرن، لكن يبدو أن الأقدار تأتي دائمًا بما لاتشتهي الأنفس..
فالقضية شهدت فاصلًا من الإثارة في الأيام الماضية، بعدما تبادلت شقيقتها شيماء والفريق المعالج لها الاتهامات، وحمّل كلاهما الآخر المسئولية عن تدهور صحتها.
شيماء اتهمت الطبيب الهندي المُعالج بأنه "خدعها وعائلتها"؛ لأنه وعد بأنه لن يتخلى عن إيمان، ولن يتركها إلا وهي تسير على قدميها، وأن يعالجها فترة تمتد من ستة أشهر إلى عام ونصف العام.
والطبيب اتهم شيماء بالكذب؛ لادعائها أن وزن إيمان الحقيقي لم يكن 500 كيلوجرام، بل ثبت أنه 378 كيلو جرامًا، والآن يبلغ وزنها 176 كيلوجرامًا، وذهب لاتهامها بالسعىي للحصول على اهتمام وسائل الإعلام بشقيقتها؛ لأنها تعبت من رعايتها، وأنها تعتقد إمكان خداع الناس في كل وقت، وأنها لجأت إلى ابتزاز المستشفى بعدما رفضت الإدارة منحها كتابًا خطيًا بإبقائها وشقيقتها لمدة عامين.
ولما بلغ التلاسن بين الطرفين مبلغه، وصار رحيل إيمان من الهند قرارًا لارجعة فيه، أعلن مستشفى خاص في أبوظبي استعداده لاستقبالها، وأعد لعملية نقلها واستقبالها من الهند إلى أبوظبي كل الترتيبات اللوجيستية وبها جميع المعدات المتعلقة بالطوارئ؛ من تنفس صناعي وأسطوانات الأكسجين وأدوية، وسيكون برفقتها 13 شخصًا مصاحبًا، بالإضافة إلى طاقم الطائرة.
الكارثة الكبرى في الأمر كله، هو الغياب الرسمي الكامل عن متابعة حالة إيمان، فلا وزارة الصحة التي من المفترض أنها معنية بصحة المصريين حركت ساكنًا، وكأن هذه المسكينة عبئًا وانزاح إلى مستشفى هندي، ولا مجلس الوزراء الذي يكبلنا كل يوم بمزيد من الضرائب، وارتفاع الأسعار تغير وجهه من حملة التبرعات التى دعت إليها جمعيات هندية لعلاج إيمان، برغم أن الرعاية الصحية حق مكفول لكل مواطن بحسب الدستور، وأن جزءًا كبيرًا مما يتم استقطاعه منا نحن المواطنين من ضرائب يذهب لميزانية وزارة الصحة؛ لعلاج كل المصريين دون تفرقة أو تمييز..
ولو كنا في دولة يحظى مواطنوها برعاية حكومتهم، لتابعت الوزارة حالتها عن كثب، وكانت فرصة لها لتثبت أن صحة المصريين موضع اهتمام حكومتهم؛ سواء في الداخل أو في الخارج.
المصيبة أن رحلة علاجها- سواء إلى الهند أو في أبوظبي محطتها التالية "التى وصلتها اليوم الخميس" - جاءت بدافع إنساني بحت، وكأن الإنسانية هو فعل يمارسه غيرنا بحق أبنائنا ومواطنينا، أما حكومتنا فلا تمارس معنا سوى الجحود والإهمال، وكأن هذه المريضة "المصرية".. "هم وانزاح"، كما رسبت وزارة الصحة، بل ونقابة الأطباء في اختبار الإنسانية، كما سقط في هذا الفخ كثير من الأطباء الذين كان يمكنهم متابعة هذه الحالة الإنسانية زكاة عنهم، وشهرة لهم.
ألم يكن من حق إيمان أن توفر لها الدولة علاجًا لمشكلتها، خاصة أن مصر عامرة بالأطباء المهرة، وربما كثيرون منهم نالوا شهرة عالمية لم يبلغها طبيب هندي، وحالة إيمان هذه تذكرنا بحالة التوأم المصري الملتصق الذي ذهب لفصله في المملكة العربية السعودية، وشعر كثيرون من أطباء جراحة الأطفال في مصر بالخزي؛ لأنه لم تتح لهم فرصة فصلهم في مصر.
ولنفترض أن إيمان وأسرتها قد اختاروا بكامل رغبتهم بريق الأمل في الشفاء الذي لاح لهم من ذاك الطبيب الهندي، بعدما أوصدت أمامهم أبواب الرعاية الصحية في مصر، ألم يكن من حقها أن تتكفل الدولة بمصاريف علاجها، أم أن العلاج على نفقة الدولة في الخارج مكفول فقط لأصحاب الحظوة والواسطة والمقام الرفيع..
برغم ما حدث لإيمان في الهند، فشكرًا للطبيب الهندي، حتى وإن كان نال شهرة عما حدث وتاجر بقضيتها، أو حتى أخضعها لتجارب عديدة لإنقاص الوزن في غيبة من وزارة الصحة ونقابة الأطباء، فبرغم أنه لم يحقق لها ما أرادت إلا أنه لفت أنظار العالم إلى قضية مواطنة مصرية أوصدت أمامها سبل الاهتمام بحالتها وعلاجها في بلدها..
وشكرًا لإمارة أبوظبي التي بادرت لاستقبالها خلال أيام في إحدى مستشفياتها، فربما نجحوا في منحها فرصة إنقاص وزنها، والعودة للحياة، بعد حرمان دام ربع قرن، وهنيئا لهم مقدمًا بالفخر لما قدموه لمواطنة مصرية، مثلما تباهى الأطباء السعوديون من قبل بتمكنهم من فصل توأم مصري..
أين أنت يا حمرة الخجل فيما جرى، فما حدث لإيمان هو بلا أدنى شك سقوط كبير لنا جميعًا في فخ اختبار الإنسانية، التي كانت دومًا سمة للمصريين في كل زمان ومكان..فماذا جرى للمصريين؟!