برغم ما تقوم به الحكومات التي تتعاقب لتحقيق إنجازات، وتضع لمساتها على جدار التاريخ وماتبذله من جهود، ومع ذلك في القضية التي نحن بصددها اليوم تذهب حكومات وتأتي أخرى ولا ترى إلا بعين واحدة.
ما أعنيه هو قانون الإيجار العقيم "القديم سابقا" فتراه من خلال عيون المستأجرين المنتفعين وأصحاب المصلحة من استمرار قانون كهذا عفا عليه الزمن ﻷكثر من 60 عامًا؛ حتي يصب في مصالحهم، دون النظر لمصلحة الدولة والشعب، ويهدر مليارات الجنيهات سنويًا دون فائدة.
لقد سرى القانون كالسرطان ينهش في جسد اقتصاد عليل، والمنتفعون ليست لهم سوى نغمة واحدة ليل نهار، وهي طرد المستأجرين الفقراء في الشارع؛ وكأن كل المستأجرين بهذا القانون فقراء وغلابة.
فالمستأجر الذي يمتلك سيارات، ولديه حسابات بالبنوك، وتكييفات في كل غرفة، وتشطيبات سوبر لوكس، وأثاث وأجهزة مستوردة، وأبناؤه في المدارس الأجنبية والجامعات الخاصة، وينفق ما ينفقه اﻷثرياء، ولديه مزارع وشاليهات في الساحل الشمالي والعين السخنة، ويتناول وأسرته أفضل الأطعمة، ويرتدون أفخر الثياب! هؤلاء هم الفقراء من وجهة نظر المنتفعين، إذن تفسير هؤلاء المنتفعين لقانون اﻹيجار القديم للفقر مختلف، ومغاير تمامًا عما نعرفه جميعا، برغم أن المستأجر الفقير محدود الدخل له النصيب الأوفر من الاهتمام بحالته في تعديل وتغيير القانون من خلال صندوق يحميه، ويوفر له سكنًا هادئًا وأمنًا .
هؤلاء المنتفعون الذين تعودت الحكومة أن تنظر من خلالهم سينصب لهم ميزان عظيم في الآخرة من الظلم العظيم عما اقترفت أيديهم؛ ﻷن أعداد العقارات التي تنهار كل يوم فوق رءوس قاطنيها في زيادة مطردة، وهناك عشرات الآلاف من العقارات يجب إخلاؤها فورًا وبدون مماطلة قبل أن تقع الكارثة، وتنهار العقارات وتقتل السكان، وقانون الإيجار القديم هو المتهم الرئيسي.
فهو قانون يدخل تحت طائلة القانون بجريمة قتل الأرواح دون حساب، وفي كل مدينة مصرية يجب إلقاء القبض على هذا المجرم وإيداعه ضمن أخطر وأعتى المجرمين على الأرض؛ لأنه عتيد الإجرام؛ بسبب كثرة ضحاياه من الأموات والأحياء، وأما ضحاياه الأحياء فلا حصر لهم، فقد وقع الظلم على شعب بأكمله من استمراره؛ بسبب الازدحام والتكدس في الأحياء، وعدم كفاية الخدمات الرئيسية بها .
كما ترى الحكومة من عين واحدة؛ لأنه قانون أعور ليست له إلا عين واحدة، بينما الحكومة لها عينان ورأس، ولكن هذا القانون الأعور تحديدًا تراه من عين واحدة .
قانون الإيجار القديم جاءت به الاشتراكية الفاشلة منذ عشرات السنين، وبعد ثبات فشلها الذريع على جميع الأصعدة الاقتصاديه في العالم، إلا انه مازال متفشيًا كالسرطان في جسد الاقتصاد والعمران المصري، وبرغم ما أعلن عن 13 مليون وحدة سكنية مغلقة في مصر 90% منها ملك هؤلاء المستأجرين، ورجال الأعمال، وما زالت النغمة السائدة والتي يتشدق بها المستفيدون "المستأجر الفقير"، برغم أننا لن نجد فقيرًا واحدًا بينهم في الأحياء المتوسطة والراقية وغيرها، وبرغم ذلك يتشدقون بنغمتهم المعهودة والأسطوانة المشروخة والبالية من كثرة ترديدها، وأنصحهم - ونحن في عام 2017 – أن يبحثوا عن نغمة تليق بالعصر الجديد .
عجبت من دراسة أكدت أن إلغاء قانون الإيجار القديم سيصب في مصلحة الدولة والمواطن؛ حيث يضمن إيرادات تدخل ميزانية الدولة نحو 100 مليار جنيه، وهو أعلى من دخل السياحة في مصر، وهذه الإيرادات ستصب في مشروعات تعود بالنفع على جميع طوائف الشعب؛ سواء إسكان وتعليم وصحة ومواصلات وطرق الدولة، والشعب في حاجة ماسة إليها؛ ﻷنه بتحرير العلاقة بين المالك والمستأجر، طبقًا لقواعد العرض والطلب، وهي خطوة مهمة في تاريخ البلاد، سوف تتدفق منها ضرائب عقارية لا حصر لها؛ مثل جميع دول العالم التي تستفيد من الثروة العقارية على أراضيها، وهي أصل القاعدة التي يخشى المنتفعون من ترديدها أو سماعها؛ ﻷن القاعدة لديهم "أنا والطوفان من بعدي"، والكثير من الاقتراحات والقوانين التي طرحت يفك هذا الارتباك.
لكن الغريب أن بعض الشخصيات المعروفة ممن يدافع عن قانون عقيم لمجرد أنه منتفع، ودخله الشهري عشرات الآلاف!!! فماذا نرد عليه، سأترك القارئ يرد عليه، فمن يحرص على بقاء هذا القانون العقيم يدافع عن قاتل مطلوب للعدالة؛ لأنه لا يعرف خبايا القانون العقيم، ولم يكشف عما في أحشائه من عفن وقيح وأمراض وأوبئة قاتلة .
ونفاجأ بمن يخرج علينا ويعلن أنه تم إغلاق باب مناقشة تعديل وتغيير قانون الإيجار القديم، بعد جولات وصولات؛ وكأنه فاز بجائزة نوبل لعلم لم يكتشفه أحد من قبل، وأؤكد له أن القانون سيتم تغييره باذن الله تعالى؛ ﻷنه يصب في الصالح العام للدولة، قبل أي مصلحة خاصة، "وبقاء الحال من المحال"، وإذا كنت تسأل عن رأي الدين، فأنت تسكن بقانون حرام شرعًا، فلا يفرح المنتفعون من قانون تحول لمقابر جماعية جاهزة، وحرصنا على حياة وأروح الناس أهم من حرصكم على مصالحكم، كما أن حرصنا على المصلحة العامة يفوق توقعاتكم لما شاهدناه بأعييننا من إيرادات هائلة تحصلها الدول من الثروات العقارية على أراضيها..
وللحديث بقية بمشيئة الله تعالى.