سوريا (الأزمة- الثورة) .. كلنا شركاء في هذا النزيف اليومي أو ما يحدث على أرض الشام، فقد تكالبت عليها قوى الشر من الشرق والغرب لتنهش في جسدها الطاهر، دون شفقة أو رحمة، وكأن لها ثأرًا قديمًا، على أن هذا الثأر نال من الأطفال الأبرياء والنساء العفيفات والكهول البائسين، قبل أن ينال من حضارتها ومجدها وتاريخها التليد.
سوريا التي كانت مهدًا للدولة الأموية التي شيدها بنو أمية الذين وصفهم (أمير الشعراء) أحمد شوقي بأنهم :-
كانوا ملوكًا سرير الشرق تحتهم .... فهلا سألت سرير الغرب ماكانوا
عالين كالشمس في أطراف دولتهم ... في كل ناحية لهم ملك وسلطان
ها هي سوريا تتعرض اليوم لهجمة شرسة لا مثيل لها عبر التاريخ الإنساني، ولم يكن لأطفال درعا، الذين كسروا جمود الصمت منذ عقود، عندما هتفوا ببراءتهم مطالبين بإسقاط النظام، هذه البراءة لم تعصمهم من استهداف الأجهزة الأمنية للنظام .
لم يكن للثوار المخلصين لقضيتهم ووطنهم يد في هذا الدمار الهائل والنكبة الشنيعة التي حلت بسوريا، وهذه الثورة التي تسلح أهلها بالهتافات والمظاهرات والتجمعات السلمية والتكبيرات التي هتفت وصرخت "ما لنا غيرك يا الله"، فقد تغير وجهها أكثر من مرة من التظاهرات السلمية التي صمدت في مواجهة قمع النظام إلى تسلح لحماية التظاهرات، واستمرارها إلى كتائب مسلحة شكلها الثوار السوريون؛ لوضع حد للقمع المتزايد، والعنف غير المسبوق الذي تمارسه أجهزة الدولة السورية ضد شعبها.
وأخيرًا يبدو أنّ وجه الثورة السورية قد بدأ يتغير وبسرعة لكي يتحول من صراع سياسي عسكري إلى صراع طائفي إلى حرب أهلية ومشروعات متعددة أو حرب بالوكالة، أو كما أطلق عليها بعض الإستراتيجيين الغربيين بالحرب العالمية الثالثة.
إن أزمة سوريا كانت محلية، لكنها تحولت إلى قضية عالمية، وتم تدويلها ووقفت ضدها قوي الغرب المتمثلة في إيران وروسيا والصين التي ناصرت النظام بالمال والسلاح والأفراد، وجلبت كل طائفي على وجه الأرض وعطلت قرارات مجلس الأمن لثمان مرات بالفيتو الروسي والصيني وكأن المناشدات الدولية والمنظمات الحقوقية والمجتمع الدولي العالمي لا تجد صدي عند تلك الدول.
إن المواقف الغربية والأوربية والعربية كانت في حالة صمت وذهول على المجازر اليومية، والهجوم بالكيماوي والبراميل المتفجرة والتهجير القسري والتغيير الديموغرافي لمناطق أهل السنة؛ حيث اختلط البشر بالحجر والرغيف بالدم وتم تفريغ الثورة من اهدافها ومضمونها من قبل المجتمع الدولي بمفاوضات جنيف وأستانا، وتشكيل الهيئة العليا للمفاوضات، والائتلاف السوري، وتم إرسال مبعوث عربي وأممي، وبدت هذه الثورة يتيمة لايستجيب لأناتها أحد، وليس لذلك الأنين صدى في ضمير العالم المتحضر .
إن لكل ثورة نهاية أو خاتمة، إما بالحل السلمي أو العمل المسلح، لكن في المشهد الحالي وإن تسارعت الأحداث بعد تنصيب الرئيس الأمريكي (الجمهوري) السيد ترامب وفريقه المساعد، والذين يحسبون على جناح الصقور، وبعد الضربة العسكرية على مطار الشعيرات، عقب مجزرة الكيماوي في خان شيخون بادلب، واجتماع الدول السبع في إيطاليا، فقد راهن الكثيرون على أن الحل في سوريا أصبح وشيكًا.
وهذا الحل - حتى وإن تأخر أو أوشكت (الازمة - الثورة) السورية على النهاية - فمن المؤكد أن الذين ثاروا منذ بداية الثورة لن يتراجعوا بعد هذا الكم من الدمار الهائل على المستويين الإنساني والعمراني، وأما الذين ضحوا بأطفالهم ونسائهم وقوت يومهم ومستقبلهم وواجهو الرصاص بصدورهم العارية، وتحملوا الكثير لست سنوات عجاف فلن يتراجعوا أويستسلموا .
وبعد... تحية إجلال وإكبار لكل من ضحى في سبيل الحرية والعيش الكريم، تحية لطلاب حلب وأبطال حمص الذين صمدوا للنهاية، ولمليونية أدلب، وأهل مضايا الصابرين المحتسبين، الذين استشهدوا إلى ربهم وبطونهم خاوية، وأهل القصير الذين خانهم الجار وخذلهم الصديق وشردهم بعد أن تقاسم بالأمس معهم الرغيف لن ننسى عبدالقادر الصالح، وحسان عبود، وخنساء سوريا، وآلان الكردي، وعائلة عبدالحميد يوسف، وأصحاب القبعات البيضاء والمشردين والمعذبين في سجون النظام.
[email protected]