بئس الإعلام الذي لا يرى فيما تحقق بجبل الحلال بسيناء إنه إنجاز عسكري يستحق أن يكون مادة ثرية للنقاش وموضوعًا غنيًا للحوار.. وملحمة وطنية تروى للصغار والكبار.. لقد كاد يتحول جبل الحلال إلى أسطورة؛ بسبب ما كان يروى عن التحصينات والتجهيزات العسكرية التي شيدها الإرهابيون وعتاة الإجرام في هذه المنطقة الصحراوية الوعرة التي تمتد لنحو 60 كيلو مترًا حتى أنه كلما وقعت عملية إرهابية كبرى، كان يقال إن منفذوها من جبل الحلال؛ مما رسخ في الأذهان أن هذه البؤرة الإجرامية صارت خارج سيطرة الدولة المصرية، وأصبحت قلعة محصنة لا ينقصها سوى أن تعلن استقلالها عن مصر، ونجح أعداء الوطن في نسج القصص والروايات حول هذه المنطقة بمساعدة الإعلام الغربي والإسرائيلي الذي دأب على تصوير جبل الحلال وكأنه دولة داخل الدولة المصرية عصية على الجيش المصري، ولا يمكن لأي قوة مهما يكن تسليحها وتدريبها أن تقتحمها.
ومن المؤكد أن هذه الروايات المكذوبة كانت تستهدف كسر الروح المعنوية للجيش المصري، والنيل من تاريخه وبطولاته التي يسجلها التاريخ في صفحات من نور، وإظهاره أنه فى موقع العجز والفشل عن مواجهة المليشيات الإرهابية التى اتخذت من جبل الحلال مأوى لها ومنطلقًا لتنفيذ عملياتها الإرهابية القذرة ضد الجيش والشرطة، لكن هيهات لقوى الضلال أن تنجح في مخططاتها الظلامية، وهناك أجناد أشداء يقفون على التخوم، وأبطال عظماء يدافعون عن الثغور.
..هكذا جاءت ملحمة اقتحام جبل الحلال التي أسقطت الأسطورة المزعومة.. هي فقط 6 ليال من الحصار، و9 مجموعات قتالية من الأبطال الأخيار كانوا هم الريح العاتية التي هزت جبل "الحرام " وزلزلت الأرض تحت أقدام عتاة الإجرام.. فهرعوا كالجرذان فزعًا من هول المفاجأة تتلقفهم رصاصات أبطال الجيش الثالث الواحد تلو الآخر، مابين قتيل وأسير، لتنتهي هذه الملحمة القتالية المشرفة بنهاية ما كانوا يسمونه جبل الحلال، وتسقط أسطورة صنعها أعداء الوطن من أجل إحراج خير أجناد الأرض وتلك عقبى التعدي.
ولا شك أن السر الحقيقي وراء هذا الإنجاز العسكري المشرف الذي حققه الجيش الثالث الميداني بقيادة اللواء أركان حرب محمد الدش هو روح الإرادة والتحدي والثقة في النصر التي يتحلى بها جيش مصر والتي دائمًا ما تكون هى عامل الحسم في كل المعارك التي خاضتها قواتنا المسلحة والجيش الثالث الذي حقق رجاله مهامهم بكفاءة عالية، خلال معارك الاستنزاف وحرب أكتوبر، وكانت لهم العديد من البطولات والتضحيات، التي سجلها التاريخ، ولم يكن شعار "الإيمان.. الصمود.. التحدي" الذي اتخذه الجيش إلا تجسيدًا حيًا لعقيدة عسكرية تقبل التحدي وتتحلى بالصمود ، ولا ترضى إلا بالنصر.
نعم هذا هو السر الذي جسده بطل من أبطال فرق الاقتحام لجبل الحلال في مشهد مذهل تهتز له الأبدان وتنحني له الرؤوس إجلالًا لعظمته وتقديرًا لوطنيته؛ حيث تعرض أحد الجنود لإصابة بالغة، وكان يلفظ أنفاسه الأخيرة، فاتجه إليه قائده ليساعده على نقله من موقع إصابته، لكن الجندي البطل تخلى عن طاعته لقائده، ورفض نقله حتى لا ينشغل قائده عن المهمة الكبرى التي خرجوا من أجل تنفيذها، وطلب منه الاستمرار في عملية الاقتحام والمداهمة حتى استشهد تاركًا لنا قصة بطولية جديدة تروى عن خير أجناد مصر، وتقدم درسًا في التضحية للعالم، وتعرض آية في الوفاء وصورة للفداء.
وإذا كان الإرهاب الأسود قد نجح في تنفيذ بعض مخططاته الإجرامية ضد الجيش والشرطة بسيناء، فإن ما تحقق في جبل الحلال يعد مؤشرًا قويًا لوضع نهاية لهذا الإرهاب، وتطهير سيناء من دنس هؤلاء بسواعد أبطال مصر من القوات المسلحة؛ لأن كتب التاريخ تشهد على أن هذا الوطن بجيشه وشعبه لا يقبل الانكسار وحتمًا سيهزم الأشرار.
حفظ الله مصر.. وجيشها العظيم