"لا تناقش ولا تجادل يا أخ علي" جملة شهيرة من فيلم "الإرهابي" للزعيم عادل إمام، وهي لُب الموضوع، فقد دأب كثيرون خلال الثلاثين عامًا المنصرمة على عدم نقاش القائمين على أمور الدين الإسلامي والمسيحي على حد سواء؛ رغبة من الجميع فى التقرب لصحيح الدين؛ وشعورًا بأنهم أقل درجة من هولاء المتبحرين فى علوم الدين.
بدأت الحكاية بعد نزوح العديد من أبناء القرى والريف إلى المحافظات الكبرى مثل القاهرة والإسكندرية للبحث عن مصدر رزق وفير، وكذلك سفر المعلمين وأستاذة الجامعات لدول الخليج، وتبعهم العمال والحرفيون، وترك الرجال أبناءهم عجينة لينة يُشكلها مجتمع غير سوى.
وكان من المنتظر أن ينبهر الجميع بالحياة الأخرى والتقدم، ولكن للأسف تراجعت الثقافة والحضارة أمام الرجعية والأصولية وفرض التدين الشكلي على الجميع، أجل هو تدين شكلي، عندما ظهرت شعارات "الإسلام هو الحل" و"النقاب فرض" ولبس الجلباب القصير وتطويل اللحية دونما النظر إلى الأخلاق الحميدة .
فمثلًا في محافظة الإسكندرية وتحديدًا في أوائل التسعينيات، انتشرت ظاهرة رش ماء النار على الفتيات بالشارع؛ لإجبارهن على ارتداء الحجاب، وكانت الأصوات ترتفع في كل مئذنة بكل زاوية أو جامع بأشد الألفاظ غلظة، تتوعد الرجل الذي يترك أهل بيته بدون حجاب بالعذاب والإهانة وتنزع عنه صفة الرجولة، وتصف الفتاة غير المحجبة بالعاهرة، وأنها سوف تلقى أشد العذاب في الدنيا والآخرة.
لم يحاول أحد وضع برامج دعوة لحث الجميع على الأخلاق الحميدة وفضائل الدين، ولكن الترهيب بشتى صوره كان أداة لجعل الجميع ينصت ويستمع دون جدلًا، ومنع الناس من ارتياد الشواطئ وارتداء "المايوه الشرعي" فهو حلال، وانتشر "بزنس ملابس المحجبات".
ثم انتقل خطاب الجماعات المتطرفة التي تتستر خلف لواء الإسلام إلى أن المرأة متاع للرجل، وأن غير المسلمة أو المتبرجة هي حلال له ومستباحة الجسد عقابًا لها على كفرها، وأنها مثل سبايا الحروب وما ملكت أيديهم، وأن صوتها عورة، وكل ما يصدر عنها عورة، والمنزل أولى بها، وأن الرجل هو السيد وهي الخادمة والمعون الذي يحمل له الذرية، والجارية التى تلبي رغباته ونزواته، ومن ترفض هذا فهي تستحق أي مكروه يحدث لها، حتى وصلنا إلى حال عبرت عنه الكلمة التي اشتهرت في الحوار الهزلي الذي اشتهر على مواقع التواصل الاجتماعي؛ لتنهي هذا الحوار بـ"إللي عنده معزه يربطها".
وإن كان هذا هو الإسلام فأين إذن ذهب غض البصر، والرفق بالقوارير؟!
ولكن يا سادة: ليس هذا هو الإسلام، ولكنها سياسة الجماعات المتأسلمة التى ترمي لإفساد هذا الوطن وإضعافه.
وما النتيجة اليوم؟.. هل أصبحنا مجتمعًا متدينًا "بطبعه حقًا"؟!
للأسف أصبحت مصر من أكثر الدول في مشاهدة المواقع الإباحية، وأصبحت الأخلاق في تدن "مبهر"، ولم نعد لدينا نخوة.
ولم ينظر أحد لهذا المجتمع الذي يصلي على النبي كل يوم، لماذا يتحرش كل يوم أيضًا؟!
أين الدعاة من واقعة التحرش بطفلة البامبرز والسيدة المسنة؟!
أما فتاة الزقازيق فحدث ولا حرج!!
عندما دأب المجتمع على لوم الضحية، ومسامحة الجاني تحقق المثل القائل "من أمن العقاب أساء الأدب"، عندما ظهر الفنان الراحل سيد عبد الكريم في مسلسل "ليالي الحلمية، وهو يحلق رأس هشام سليم؛ لأنه تجرأ وعاكس ابنته، كان مثالًا رائعًا لرجل الحارة الشهم".
أما عندما أصبحت الفتاة التي ترتدي الإيشارب هي مثال العفة، مهما كانت أخلاقها، وصلنا لمجتمع يتباهى بأنه يتحرش بالبنات؛ لأن مظهرهن غير لائق من وجهة نظره، وأصبح الأب يعلم ابنه الصغير كيف يعاكس الفتيات بالطرقات.