Close ad

لحوم المستقبل!

17-3-2017 | 23:47

لن يمضي وقت طويل حتى يصبح تناول لحوم الحيوانات، شيئًا من ذاكرة التاريخ لدى ملايين البشر، وربما نكون نحن المصريين أسرع سبقًا في نسيانها بعد ما تجاوز سعر كيلو اللحوم المائة جنيه بكثير، هذا إن ضمنا أصلا أنها لحوم خالصة سائغة للآكلين؛ بعد ما اختلطت اليوم بلحوم الحمير..

ولعلنا نتندر الآن حين نتذكر رسوم الكاركاتير للفنان الكبير مصطفى حسين، حيث يقف فيها رب الأسرة بعيدًا عن محل الجزارة، وهو يشير لأولاده إلى أنهم لو أحسنوا صنعًا في حياتهم الدنيا سينالون قسطًا كبيرًا من هذه اللحوم في الجنة إن شاء الله، ولن نستغرب حين يتحلق الأحفاد حول الجد أو الجدة ليستمعوا بدلًا من حكايات "الشاطر حسن" و"أبورجل مسلوخة" و"سندريللا" إلى ذكريات الماضي يوم أن كان يوضع شيء اسمه "لحمة" على الموائد، وكان أصحاب الحظوة والسعة يتناولونها "هُبرًا"!

حتى لحوم الدواجن التي كانت بديلًا رخيصًا فى مواجهة جنون اللحوم، ها هي أسعارها تحرق جيوب الكثيرين منا، ويكفينا القول إن أسرًا مصرية كثيرة اليوم لاتنال من لحوم الدواجن سوى أرجلها أو هياكلها أو حتى أجنحتها، والتي تسمى قطع غيار، بعدما قفز سعر كيلو البانيه إلى 70 جنيهًا!.

وأمام موجات الغلاء هذه التي تفتك بالجيوب والعقول بعد تهاوي قدرة الجنيه على شراء حتى "باكو بسكويت" لطفل، لن يكون غريبًا أن تتوارى عن أنظارنا محلات الجزارة في شوارعنا، وتنحصر فى مناطق القادرين عليها، وستظهر فى الأسواق لحوم يتم تصنيعها في المختبرات.. نعم في المختبرات، وربما يشتريها الناس حينئذ ملفوفة في ورق سوليفان من المحلات الكبرى، مثلما غزت بيوتنا المسلى الصناعي من الزيوت المهدرجة ذات الآثار الكارثية على صحة الناس، ستكون لدينا لحوم صناعية...

ومن الطريف أن العلماء أنفسهم بشرونا قبل نحو 15 عامًا بأن الأغذية المُهندسة وراثيًا ستحل أزمة الغذاء في العالم، وبرغم ذلك مازالت شعوبًا كثيرة، ومنها شعبان عربيان في اليمن والصومال يهددهما شبح المجاعة، ها هم يبشروننا من جديد بأن المستقبل القريب سيعتمد على إنتاج اللحوم المُصنعة في المختبرات أكثر من مزارع الأبقار، أيضًا من باب مكافحة الفقر وحل أزمة الغذاء العالمية!

إذن، فلن تبقى الحيوانات المصدر الوحيد للحوم في المستقبل، أو على الأقل هذا ما يطمح إليه العلماء، بعدما عكفوا في السنوات الأخيرة على إنتاج اللحوم في المختبر عن طريق تكنولوجيا "هندسة الأنسجة"، بعد النجاح الذي حققه فريق من العلماء الهولنديين عام 2013، بإنتاج لحم "برجر" في المختبر، بتكلفة تبلغ 18 ألف دولار أمريكي لأقل من نصف كيلوجرام!

لن تتعجل في إطلاق سيل من عبارات الاستهجان والاستغراب، حين تعلم أن الحصول على قطعة "برجر" بالطرق التقليدية وزنها حوالي 100 جرام، يتطلب 700 جرام من الحبوب لتغذية الماشية، و52 لترًا من المياه للشرب وري محاصيل الأعلاف، و10 وحدات حرارية من الوقود لإنتاج الأعلاف ونقلها.

وبرغم أن ارتفاع التكلفة يجعل السعر غير مناسب للجمهور، لكن العلماء يرون أن هذه التقنية ستستمر في التقدم سريعًا، لتصل إلى مرحلة بيع منتجاتها بأسعار مقبولة في متاجر البقالة والمطاعم خلال 10 إلى 20 عامًا.

وهناك فرق بين اللحم الصناعي المنتج في المختبرات وبين اللحم المزيف "البرجر" المصنوع من مستخلصات فول الصويا وغيره من بذور النباتات.

وحلم تصنيع اللحم في المختبرات يراود العلماء منذ أكثر من مائة عام، وترجع البداية لعام 1908 في مختبر العالم الفرنسى ألكسي كاريل الفائز بجائزة نوبل في الطب عام 1912، حين وضع قطعة من لحم الدجاج في محلول مُغذ، وبمرور الوقت اكتشف أن حجم شريحة اللحم يتضاعف مع الاحتفاظ بحيويتها، وأجرى العملية عدة مرات حتى توفي عام 1944، لكن شرائح اللحم المزروعة في أنابيب الاختبار لم تتوقف عن النمو في مختبره وقد ألهبت هذه التجارب خيال بعض الكُتاب فأطلقوا على اللحوم المنتجة في المختبرات اسم "لحوم فرانكنشتاين"، نسبة إلى طبيب الرعب "الخيالي"، فرانكشتاين، الذي صنع مسخًا من بقايا الجثث..

لكن يظل الأهم من كل شيي التأكد من سلامة هذه اللحوم على صحة الإنسان، ولتبديد المخاوف مبكرًا من "لحوم المختبرات" يطمئننا علماء جامعة ماستريخت الهولندية، إن هذه اللحوم تتمتع بجانب آخر مفيد لصحة الإنسان، هو القدرة على إزالة أو تقليل الدهون المشبعة الضارة بالشرايين.

بقي أن نعرف أن لحوم المستقبل سيتم تزويدها ببطاقات تعريف صغيرة تُسجل عليها معلومات عن المسار الذي اتخذته منذ إنتاجها حتى وصولها إلى المستهلك، وبواسطة جهاز استشعار دقيق تتاح هذه المعلومات للمستهلك قبل أن يشتريها، فيستطيع أن يعرف من أي مزرعة أو من أى مختبر جاءت شريحة اللحم التي اشتراها، وهل أعطيت البقرة، التي أخذت منها شريحة اللحم، مضادات حيوية أو هرمونات، بالإضافة إلى معلومات أخرى عن كيفية الذبح والزمن الذي استغرقته شريحة اللحم لتصل إلى أرفف السوق..

طبعًا لا نتفاءل نحن بحدوث ذلك في مصر قبل حلول الألفية الرابعة، وبرغم ذلك ساعتها "أيضًا" قد لا يجد هواة التزييف والغش من مصانع بير السلم وتوابعها بدًا من تزوير هذه البطاقات، وربما يزعمون أن لحوم "الحمير" التي ترعى في "منتجعات الزبالة" على أطراف المدن والقرى.. هي لحوم أبقار نمت وترعرعت في براري الأرجنتين والبرازيل وأمريكا!

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
قصص إنسانية من الأولمبياد

البطولات الرياضية، وفي الصدر منها الأولمبياد، ليست مجرد ساحة لجني الميداليات، بل قد تكون فيها الكثير من القصص الإنسانية، فوراء كل بطل عظيم قصة رائعة..

الناجي الوحيد بعد "انقراض البشر"!

لم يعد الحديث عن نهاية العالم مقصورًا على تنبؤات السينما العالمية، بل إن كورونا ألهبت خيال البشر أنفسهم ودفعتهم إلى توهم نهاية العالم..

قبل أن تصبح أحلامنا لوحات إعلانية!

ربما يستيقظ أحدنا في المستقبل القريب، من دون مرض أو علة، ولسان حاله يقول: أنا مش أنا ، أو قد يراه أقرب الأقربين له بأنه لم يعد ذلك الشخص الذى نعرفه.. دماغه تغيرت.. أحلامه تبدلت

صيام "هرمون السعادة"!

وصفوه بأنه هرمون السعادة ، باعتباره الهرمون الذي يفرزه المخ بعد الحصول على المكافأة ويكون سببًا للشعور بها، لكنهم يصححون لنا هذا المفهوم اليوم، بأن دوره

أنف وثلاث عيون!

هناك قصة شهيرة للكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس تحمل هذا العنوان، لكننا هنا نتقاطع مع عنوانها في الاسم فقط، فعيون إحسان عبدالقدوس كن ثلاث نساء تقلب بينهن

أول فندق في الفضاء!

ربما يصبح حلم السفر في المستقبل في رحلات سياحية، بالطبع لدى فصيل من أثرياء العالم، ليس إلى شواطئ بالي أو جزر المالديف أو البندقية، بل إلى الفضاء.. نعم إلى الفضاء، هذا الحلم سيضحى حقيقة فى عام 2027!

الجلد الإلكتروني!

يبدو أن عالم تكنولوجيا المستقبل ستحكمه "الشرائح"، لكن شتان بين مخاوف من شريحة زعم معارضو لقاحات كورونا بأنها ستحتوي على شريحة لمراقبة وتوجيه كل أفعالك،

..واقتربت نهاية كورونا!

لم يحظ لقاح من قبل بجدل مثلما حظي لقاح كورونا، لأسباب كثيرة، أولها السرعة التي تم بها التوصل إليه، على عكس لقاحات لأمراض أخرى، ربما مضى على تفشيها مئات

يوم بدون محمول!

هل فكرت يوما التوجه إلى عملك من دون هاتفك المحمول؟ قد يفكر في ذلك من أنفق عمرًا في زمن الهاتف الأرضي، لكن من نشأوا في زمن المحمول سيرون الفكرة ضربًا من

أيهما الأكثر طرافة .. الرجال أم النساء؟!

على مدى التاريخ تحفل حياة الأمم بسير الظرفاء، وتتسع هذه المساحة لتشمل أشخاصًا خلدهم التاريخ، إما لفرط سذاجتهم كأمثال جحا، أو لكثرة دعاباتهم وكتاباتهم و"قفشاتهم"

إلا المخ يا مولاي!

رغم أن المخ كان ولا يزال لغزًا يحير العلماء، فإن الدراسات ما زالت تتوالى لفهم هذا العضو الرئيسي في الجهاز العصبي لدى الإنسان، والذي يتحكم في جميع الأنشطة

عبيد مايكروسوفت!!

في عام 1995 نُشرت رواية بعنوان "عبيد مايكروسوفت" تشبه تمامًا رواية جورج أوريل 1984، غير أن الأخيرة ذات أبعاد سياسية، أما الأولى فهي ذات أبعاد تكنولوجية،

الأكثر قراءة