Close ad

عن صورة العالم في ٢٠٣٣.."المختارون" بشاعة المناظر الدموية تجبرك على المشاهدة

10-3-2017 | 00:40
عن صورة العالم في ٢٠٣٣المختارون بشاعة المناظر الدموية تجبرك على المشاهدةالمختارون
سارة نعمة الله

اختبار الحياة وسط عالم يمتلئ بالدمار ليس أمرًا سهلًا، تنبؤ يطرحه فيلم "المختارون" الذي بدأ عرضه بدور العرض المصرية في تخيل لشكل العالم في العقد الثالث من الألفية الجديدة في مناخ لا وجود فيه للأضعف.

"المختارون" هي الكلمة التي تفندها نهاية الأحداث التي لم يبق فيها سوى بطل واحد من أصل ٨ أشخاص تمت إبادتهم جميعًا بطرق وحشية، ويزيد عليهم فردًا واحدًا يعتبر هو المسئول عن عمليات القتل وإحلال الخراب والفرقة لدى هؤلاء يتم قتله على يد البطل مما يجعله مصنفا ضمن صفوف المختارين، هنا في النهاية نفهم معنى الاختيار الحقيقي لمواصلة الحياة في عالم تسوده القوة ويسعى لإبادة الضعيف.

تنطلق الأحداث من هذا العابر الذي يستقل سيارة السائق "شعيب" الذي يلعب دوره الفنان السوري سامر المصري، يترك له رسالة تحذيرية يؤكد له فيها أنه في يوم من الأيام سيقوم مجموعة من البشر بتدمير المياه ويرفعون الرايات السوداء، وهو ما يترجمه المشهد التالي بوجود مجموعة من الأشخاص التي نجيت من دمار هؤلاء البشر الذين قاموا بتلويث المياه مما جعل الأمراض تتفشى ويتساقط الأشخاص فردًا بعد آخر.

هنا يجتمع الثمانية أفراد داخل  مصنع الطائرات المهجور الذي تبدو عليه آثار الخراب ويعلوه خزان للمياه يقومون بحراسته، ومع حلول الليل الحالك الظلام تعبيرًا عن سوداوية المشهد الذي يعيش فيه أبطال العمل داخل هذا المكان المهجور، تأتي فتاة خارج باب المصنع تطلب الاستغاثة من رجل يجرها بسلاسل ويظهر متسلحًا بسكينًا حادًّا يقوم بقطع رقبتها به بعد رفض "شعيب" إعطاءه ما يزيد عن جالوني مياه، هذا الطعم الذي يدخل به "موسى" الذي يجسد دوره الفنان سامر إسماعيل إلى هؤلاء بعد ظهوره في المشهد الذي ضم معركًة مع هذا المسلح ومجموعة أخرى، تبدو فيها شهامة الرجال بعد أن أنقذ حياة شعيب ليطلب الاستضافة معهم في المصنع من أجل تضميد جراحه وبصحبته فتاة يقول إنها تتحدث الكردية.

يبدأ "موسى" في قتل الأفراد جميعهم بطرق مختلفة بل إنها ليست "مختلفة" فقط ولكنها المعنى المترجم لكلمات الوحشية، وانعدام الإنسانية ما بين مجموعة يذبحهم بسكينته الحادة، وآخر يعذبه ويقطع لسانه، وآخر يصاب في قذيفة فتبتر ساقه، وأخرى تحرق وغيرها من المشاهد التي لا يتسنى للفرد مشاهدتها بهذه الصورة، ومن سيشاهد الفيلم بالتأكيد سيبقى في حالتين لا ثالث لهما إما مغمضًا عينيه حتى لا يصاب بحالة إغماء أو أنه سيظل مندهشًا من عبقرية كاتبه الأمريكي فيكرام ويت من صياغة هذه المشاهد البشعة وجرأة المخرج الموهوب حقًّا الإماراتي علي مصطفى الذي تعلم حرفية صناعة السينما بمدرسة لندن للسينما.

لكن ربما تجبر هذه الوحشية والبشاعة المشاهد لاستكمال الفيلم الذي يطرح التأويلات والتساؤلات من أجل الاقتراب من الصورة بشكل أكثر وضوحًا..نعم الإثارة التي تصاحب هذا العمل منذ البداية حتى النهاية من خلال التكنيك المبهر الذي استخدمه علي مصطفى في التصوير الذي بدى متطابقًا مع ابتكارات هوليود في استخدام الخدع السينمائية بطريقة أكثر حرفية من خلال تقنية رباعي الأبعاد، هذا الإنجاز الذي يحققه أول فيلم عربي في منطقة الشرق الأوسط.

ويبدو أن علي مصطفى رغم قضائه فترة زمنية ليست بقليلة من عمره خارج بلاده إلا أنه يبدو أكثر من آخرين تأثرًا بقضايا مجتمعاته العربية بل متألمًا لواقعها المرير الذي جعله يفرض هذه المساحة السوداوية في هذا الفيلم، هذا بالإضافة إلى قراءته للمشهد بتقديمه صورة واقعية لمستقبل بات الإحباط واليأس شعاره، ويكمن ذكاؤه الآكبر في رصده لقضايا الواقع دون إسقاط مباشر عليها.

كم من مشاهد الخراب والتدمير التي ربما كان لدولة سوريا النصيب الأعظم منها، هذه المشاهد التي لربما صوب نحوها مخرج الفيلم كادراته لكن في تخيله لواقع آخر يشمل نظرة موضوعية موسعة للمجتمعات العربية التي سادت الحروب والخراب أغلبها، وليست هذه المشاهد المأساوية التي تجعل المشاهد يذهب ببصره وذاكرته للوضع المتأزم في سوريا بل قضية المياه التي كانت الخط الدرامي الرئيسي لفكرة الفيلم تبدو إسقاطًا على الأزمة السورية في أعقاب ما خلفته من تدمير لمحطات مياه الشرب الرئيسية بالدولة بالقذائف النووية.

"أ£ي" أو "من ألف إلى ياء" هذه العلامة التي لربما تكون إشارة لهذا الفصيل الوحشي الذي سيكمل مسيرته بعد داعش إن لم يكن هو ذاته الذي لا يزال متصدرًا للمشهد، والتفسير كما يأتي على لسان الجاسوسة "جوبلين" التي تأتي مع الهمجي "موسى" تراقب الأوضاع لحين إفصاحها عن شخصياتها الحقيقية في نهاية الأحداث بانتمائها لهذه الجماعة "أ و ي" أو "أ£ي" هذه العلامة التي غرفتها بسكين حاد على رقبة البطل الناجي والتي تفسر أن الألف هو البداية، والياء هي النهاية لدى هذا الفصيل الذي أعلنه تحكمه في المختارون للعيش على قيد هذه الحياة.

بالتأكيد أيضًا ن وجود شخصية المثقف والمفكر الذي يظهر ضعفه في محاولة لقيادة الثمانية آشخاص بعد وفاة الزعيم الأكبر "شعيب" يكشف عن مدى ترضي أوضاع المثقفون بالوطن العربي الذين لا يقتدرون على إدارة المشهد وتبدو خيباتها في أضعف الأمور، وربما كان لاختيار "شعيب" و"عيسى" و"موسى" كأسماء لأنبياء مغزى آخر أراد من خلاله صناع الفيلم الإسقاط غير المباشر على اليهود بصفتهم أصحاب صناعة الدموية للمشهد الأعرابي بشكل عام خصوصًا وأن "موسى" هو القاتل الوحشي هنا بالأحداث.

على مصطفى في هذا الفيلم يحفر اسمًا جديدًا له في صناعة سينما عربية تستهدف استخدام التقنيات الأجنبية بشكل يفند ضرورة وجودها واستخدامها عن وعي وليس لمجرد الإبهار الخادع لرؤية العين دون وجود مغزى واضح للمحتوى المقدم، هذا بالإضافة إلى اختياره لمجموعة متناغمة في الأداء الذين يكفي أن يطل كل منه في مشهد واحد فقط "master seen" يثبت مدى حرفيته وإتقانه للدور الذي يبدو على جميعهم تحملهم المسئولية فيه.

"المختارون" فيلم شديد الأهمية على مائدة السينما العربية، هذه السينما التي تفتح باب التأويلات وتطرق الحكم والتفكير للمشاهد ليخرج من عزلته الضيقة في حصره بموضوعات استهلاكية لا تقدم ولا تفيد، أو يسيطر عليها الأفكار المشوشة والمبتورة، فيلم يضع الكثيرين في موضع التساؤلات والخيارات التي لربما لا تكون مطروحة مستقبلًا.






كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة