يبدو أن المعركة التي يخوضها الإعلام الغربي في الآونة الأخيرة مع أحزاب اليمين المتطرف (الشعبوية) التي اعتلت موخرًا سدة الحكم لن تكون بالأمر الهين كما سبق.
فقد كان للإعلام الغربي دور بارز في الحياة السياسية والحقوقية في الفترة الماضية والحالية؛ حيث لم يكتف بنقل الخبر بل امتد إلى أبعد من ذلك بالكشف عن الكثير من القضايا السياسية والحقوقية ومن أبرزها (وتر جيت) التي كشفت عن تنصت الرئيس الأمريكي الأسبق (نيكسون) وتجسسه على منافسه؛ مما أدى بعد ذلك إلى تقديمه استقالته.
كما كشف الإعلام في عهد الرئيس الأمريكى الأسبق (ريجان) وفي ولايته الثانية عن بيع أمريكا السلاح لإيران بوساطة إسرائيلية في صفقة سميت (بإيران جيت أو إيران كونترا)؛ وذلك في ظل قرار حظر بيع الأسلحة لإيران والتي صنفت راعية للإرهاب ومعادية لأمريكا، والممارسات اللا أخلاقية للرئيس الأمريكى السابق بيل كلينتون.
هذا الدور استمر إلى وقتنا الحالي فقد تقدم مستشار الأمن القومي الأمريكي (مايكل فلين) باستقالته بعد الكشف عن اتصالاته مع روسيا وإبلاغه لنائب الرئيس بمعلومات مجتزأة تتعلق بالاتصالات الهاتفية مع السفير الروسي لدى واشنطن، قبل تنصيب ترامب.
وفي السياق نفسه تقدمت (ماريا ستريزولو) مساعدة التعليم البريطاني باستقالتها من منصبها بعد ظهورها بتحقيق استقصائي للجزيرة حول (اللوبي الإسرائيلي في لندن)؛ مما كشف تآمرها لصالح جهات أجنبية تعهدت بالإطاحة بوزير الدولة البريطاني لشئون أوروبا والأمريكتين (السيرآلان دنكن) المعروف بانتقاده للمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
فهذه الأحزاب لم تكن راضية يومًا عن الدور الذي يلعبه الإعلام وخصوصًا الإعلام المعادي لها فقد نظم حزب البديل من أجل ألمانيا "AFD" في يناير الماضي بمدينة كوبلينز (وسط ألمانيا) مؤتمرًا جمع جميع أحزاب اليمين الأوروبي المتطرف، وجاء على رأس هذه القمة توحيد الجهود الانتخابية لهذه الأحزاب (رئاسية أو عامة) في عموم أوروبا في مواجهة الإعلام المعادي لها، وإنشاء منصات إعلامية خاصة لخدمة سياستها وتوجهاتها.
وقد كان آخر هذه المواجهة لزعيمة الحركة الوطنية المتطرفة بفرنسا (مارين لوبان) التي أمرت بطرد الصحفيين عندما تقدموا بالسؤال عن الفساد المالي لحزبها.
أما في بريطانيا فقد أقرت الحكومة البريطانية قانونًا للرقابة والأمن القومي يعرف باسم (قانون صلاحية التحقيق) أو (قانون المتلصص) الذي يحد من حرية الصحافة، ولا يوفر حماية للصحفيين، ويطلق يد الأجهزة الأمنية ويوسع صلاحيتها.
وفي أمريكا فمع بدء الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب فقد واجتهه الصحافة بلغة التهديد والوعيد منذ ترشحه للرئاسة إلى حفل تنصيبه إلى القرارات الجديد التي اتخذها مؤخرًا لمنع الهجرة من سبع دول لأمريكا؛ حيث وصف وسائل الإعلام بحزب المعارضة.
وفي اليوم التالي لحفل التنصيب أطل (شون سبايسر) السكرتير الصحفي للرئيس أمام مراسيلي البيت الأبيض وهاجم وسائل الإعلام التي شككت في أعداد الجماهير التي حضرت التنصيب مقارنة مع حفل تنصيب باراك أوباما عام 2008م، كما شن (ستيف بانون) كبير المستشارين الإستراتيجيين في فريق ترامب هجومًا عنيفًا على وسائل الإعلام داعيًا الصحفيين إلى الخجل من أنفسهم أو الصمت.
عموما هذا التدافع بين الحريه والاستبداد قد يكون مكلفًا لكلا الطرفين، لكنه مهمًا في سيبل تقدم ورقي الشعوب، فإذا كان الإعلام في العالم العربي يعتبر السلطة الرابعة، فإنه يعتبر السلطة الأولى في الغرب؛ لتاثيره في مجريات الأحداث على الساحة السياسية.
[email protected]
خبير العلاقات الدولية