شهدت مدينة الأقصر فى ١٧ نوفمبر ١٩٩٧، هجومًا أرهابيًا من الجماعات الإرهابية، أسفر عن مصرع ٥٨ سائحًا من جنسيات مختلفة، وإقالة وزير الداخلية فى ذلك الحين حسن الألفى، وتوقف الحركة السياحية لفترة، لكنها عادت بعد ذلك دون تقديم أي تنازلات!
على عكس مانشهده حاليًا من ذل وهوان وابتزاز من الجانب الروسي، منذ حادث الطائرة الروسية وتناقضات غامضة ومتعددة من جانب النظام الروسي، وكأنها- بلغة رجل الشارع- ماسكة علينا زلة! برغم أن الفائدة الاقتصادية المالية والسياسية والاقتصادية التي حققتها تفوق الفائدة التي حققناها!!
في المجال السياسي؛ اكتسب بوتين شعبية كبيرة بين الشعب المصري، عن طريق دراويشه من الناصريين واليساريين المتحكمين حاليًا في الإعلام المصري؛ سواء الصحف أو الفضائيات، وتخيلوا أن عودة الارتباط المصري - الروسي، يمثل نجاحًا لتياراتهم وانتقامًا من الرئيس أنور السادات.. هللوا وروّجوا مع صفقات الطائرات العسكرية، والمفاعل النووي، والبدائل متوافرة في الدول الأوروبية، خاصةً فرنسا التي تساندنا لدرجة كبيرة سياسيًا، أيضًا المكسب الثاني كلما اقتربنا من روسيا ابتعادنا عن الولايات المتحدة الأمريكية بذات الدرجة!! وذلك ما استغلته في بيع صفقة رادارات تقترب من ٣ مليارات جنيه (لأول مرة نشتري رادارات روسية).
القراءة المتأنية للموقف الروسي الغامض، تؤكد أن عودة السياحة الروسية إلى مصر، لاتتوقف على تأمين مطارات أو وضع الوفود الأمنية المتعاقبة لملاحظات، لكنها قرار سياسي من جانب الرئيس بوتين، الذى يلوح كل فترة بقرب عودة السياحة، لمزيد من المكاسب يحققها، وللأسف نخصع لهذا الابتزاز، دون موقف صارم من جانب الدولة المصرية!
التناقض الغريب في موقف الرئيس الروسي والتحول ١٨٠ درجة بطريقة مفاجئة، عقب حادث الطائرة بساعات، أكد في تصريحات صحفية ردًا على اتهامات رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، بوجود معلومات لدى بريطانيا بوجود عامل تخريبي أدى لسقوط الطائرة، قائلًا بما يعني بلغة الشارع المصري، خليك في نفسك!!! مؤكدًا استمرار رحلات السائحين الروس ألى مصر!
بالطبع تلك التصريحات روَّج لها أصحاب التيارات السياسية التي مازالت تعيش في الماضي، وكان ينقصهم أو الوقت لم يسعفهم، عمل مواويل شعبية لبوتين على غرار أدهم الشرقاوي!!
في أقل من ٧٢ ساعة فقط، تغير الموقف الروسي، بضربات شديدة للسياحة المصرية، اعتبرها أشد قسوة من ضربات الغرب وأمريكا وبريطانيا.. وفجئنا بإصدار قرار بإيقاف الرحلات من روسيا إلى شرم الشيخ لوجود معلومات لدى الأجهزة الاستخباراتية الروسية، بوجود عامل تخريبي أدى لسقوط الطائرة! ولم يكتفِ بوتين بتلك الضربة، بل وجّه أخرى أشد قسوة، بإيقاف رحلات مصر للطيران إلى موسكو التي تقلع من مطار القاهرة، وبالتالي إيقاف الرحلات الروسية إلى مصر، أي إيقاف السياحة الروسية بالكامل، بحجة وجود شكوك لديهم في قدرات تأمين المطارات المصرية، وذلك لم يتخذه الغرب أو بريطانيا أول من شككت فى وجود عامل تخريبي، بل الضربة الحقيقية للسياحة من جانب الصديق الصدوق بوتين!
وللأسف الحكومة المصرية، ساهمت بتخاذلها وأخطائها، في تأكيد الشكوك بعدم قدرة الأجهزة المصرية فى تأمين مطاراتها؛ سواء بالتصريح الكوميدى لوزير السياحة السابق هشام زعزوع (بأننا عرفنا الثغرة وهنسد الخرم) أو بالخطأ البالغ الذى ارتكبته فى تحقيقات حادث الطائرة الروسية، بعدم تحليل أشلاء الجثامين والحقائب في مصر! مما أعطى ذريعة لروسيا للتأكيد بوجود آثار مواد متفجرة في الحقائب والجثامين!
أو الانتظار لساعات طويلة لمجلس الوزراء عندما توجه إلى شرم الشيخ لعقد اجتماعه هناك لمساندة السياحة، وفوجئ بالضربة الروسية، بإيقاف رحلات مصر للطيران والإيرفلوت والاتهام بوجود عامل تخريبي في حادث الطائرة.
فى ذات التوقيت أستغلت روسيا حادث سقوط الطائرة كورقةٍ رابحةٍ للتوغل في سوريا، بضربات جوية، ومساندة نظام بشار الأسد، وبالطبع ضمنت صمت العالم بأكمله دون أي اعتراض، بعد أن أذاعت وجود شكوك في وجود حادث جنائي وعامل تخريبي في سقوط الطائرة.
الموقف الروسي جاء على طبق من ذهب لهوى الغرب، الذى يريد بأي طريقة خنق مصر اقتصاديًا.. بعد الفشل الذريع في هز شعبية الرئيس عبدالفتاح السيسي، الحل الوحيد لضرب أي دولة يتكاتف شعبها وراء قائدها ضربها اقتصاديًا..
وكان النجاح الحقيقي في انعدام السياحة، وبالتالي نقص الموارد من العملات الأجنبية، الذي تصادف مع هبوط إيرادات قناة السويس، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الدولار وهبوط الجنيه المصري الذي انتهى بالتعويم!
منذ ذلك الحين وروسيا تفرض شروطها، ونحن نسير خلفها، أجهزة ومعدات جديدة بالمطارات، وشركة أمن خاصة في المباني التي تقلع منها الطائرات الروسية، وقنصلية بالغردقة، وأبواب العاملين مزودة بالبصمة البيومترية وذلك (لاتجده في أكبر المطارات العالمية)، تغير أنظمة تخزين الكاميرات من سبعة أيام إلى ٣٠ يومًا، والسماح بإطلاع فرق الأمن الروسية على شرائط الكاميرات في أي وقت؛ برغم أن ذلك اختراق للسيادة والأنطمة الأمنية، وأخيرًا الإجبار على ضرورة توقيع اتفاقية أمنية ثنائية بين البلدين في المطارات، وفقًا لاتفاقية شيكاغو الملحق ١٧، وفي إطار مبدأ المعاملة بالمثل.
وتعرض حاليًا على الجهات الأمنية السيادية المصرية؛ تمهيدًا لاعتمادها وتوقيعها بين الطرفين، في إطار التعهدات التي تلتزم بها مصر، وطالبت بها روسيا خلال زيارة وزير النقل الروسي فى زيارته الأخيرة لمصر، وتعتمد بنودها على الإجراءات التي أقرتها منظمة الإيكاو في اتفاقية شيكاغو، وفقًا للملحق ١٧، بأحقية الدول في اتخاذ كل التدابير الأمنية الإضافية في إطار التعاون الدولي، وذلك يعني متابعة الأمن الروسي لكل الإجراءات التي تتم على ركاب وحقائب والبضائع على الطائرات الروسية؛ ولذلك أصرت روسيا على الاستعانة بشركة أمن خاصة، حتى لا يكون هناك تصادم مع الأجهزة الأمنية، وسبق أن رفضت ذلك الأجهزة السيادية، ولكنها عادت وعرضته مرة أخرى تحت مبدأ اتفاقية ثنائية.
ويبقى التساؤل هل ستخضع مصر لمزيد من الابتزاز الروسي، هل ستسمح مصر بمتابعة روسية للإجراءات الأمنية لطائرتها! وما هو الوضع إذا طلبت دول أخرى اتخاذ ذات الإجراء تحت مظلة أتفاقية أمنية!!!!