عندما تطأ قدمك إحدى مطارات الدول الإفريقية وبمجرد إنهاء إجراءات دخولك للبلاد سوف تشعر بوجود التنين الأصفر – الصين – في أرجاء البلد الإفريقي الذي تزوره ستشعر به في المنشآت الحديثة مثل الفنادق، أو البنية الأساسية، أو المنتجات الصينية المنتشرة في كل مكان، كما هو الحال في إثيوبيا أو جنوب إفريقيا، أو كوت ديفوار أو غيرها من البلدان الإفريقية التي استطاعت الصين أن تتغلغل بها، وأن تصل إلى كل أسرة إفريقية، وأن تكون القارة السمراء بالنسبة للصين، كما وصفها وزير الخارجية الصيني وانغ يي - "أساس الأساس" في الدبلوماسية الصينية.
وأعتقد أن حكومة بكين كانت محقة تمامًا عندما اختارت أن تمنح القارة الإفريقية مقرًا جديدًا للاتحاد الإفريقي، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا؛ حيث كان المقر القديم، والذي تحول الآن إلى مقر لمجلس السلم والأمن في الاتحاد؛ حيث كان صغيرًا للغاية، ولا يستوعب اجتماعات الاتحاد، سواء الوزارية أو القمم؛ مما كان يدفع مفوضية الاتحاد إلى إقامة الاجتماعات في مبنى لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا؛ ولذا عندما طرحت الصين فكرة التبرع بإنشاء مبنى جديد للمفوضية لاقت الفكرة قبولًا وترحيبًا من القادة الأفارقة في ظل العلاقات المتميزة التي تربط بكين بكافة دول القارة خاصة في مجال التعاون الاقتصادي.
وبالتالي تم اختيار الموقع الجديد للاتحاد بجوار المقر القديم؛ حتى تتم الاستفادة من المقر القديم – كما هو حادث الآن – وبدأت الصين في العمل السريع والشاق؛ حتى تم افتتاح المقر الجديد يوم 28 يناير 2012 خلال فاعليات القمة العادية الـ 18 للاتحاد، بحضور القادة الأفارقة، ومشاركة رئيس اللجنة الوطنية للمؤتمر الاستشاري السياسي الصيني "جيا كينغ لين" مراسم الافتتاح؛ حيث تحول المقر الجديد إلى رمز للصداقة الإفريقية – الصينية، وبلغت تكلفته 200 مليون دولار؛ بمنحة من الصين على مساحة تبلغ 51887 مترًا مربعًا، ويضم برجًا إداريًا، وقاعة مؤتمرات كبيرة، ومنشآت خارجية أخرى، فيما يضم البرج الإداري 20 طابقًا فوق سطح الأرض.
وتتسع قاعة المؤتمرات الرئيسية لأكثر من 2500 شخص، وتتسع شرفة الطابق الأول لعدد 1040 شخصًا، وشرفة الطابق الثاني لعدد 679 شخصًا، أما شرفة الطابق الثالث فتتسع لـ 786 شخصًا.
وقد حضرت العديد من الاجتماعات على كل المستويات وورش عمل في المقر الجديد للاتحاد؛ حيث تكتشف أن الصين أرادت وضع بصماتها بشكل بارز في إفريقيا من خلال المبنى أنيق التصميم والرائع في التنفيذ؛ حيث تحول إلى تحفة معمارية وفنية فائقة الجمال، تعكس التقدم الهندسي والمعماري الذي وصلت إليه الصين، وتكشف عن رغبة الصين في تعزيز وتدعيم أواصر العلاقات بينها وبين دول القارة في كل المجالات.
ويمكنني القول أن مبنى الاتحاد الإفريقي يكشف - بما لا يدع مجالا للشك - نوايا الصين تجاه القارة السمراء، والتى تتمثل في السعي لتحقيق شراكة متبادلة بينهما في كل المجالات، ومساعدة إفريقيا على تحقيق النمو الذاتي، وخلق بيئة سلمية ومستقرة للتقدم طويل الأجل، دون فرض شروط سياسية مقابل المساعدة، أو التتدخل في الشئون الداخلية للدول الإفريقية، وعدم اتباع نهج القوة الذي سارت عليه القوى الكبرى في الماضي دون أن تضحي الصين ببيئة إفريقيا ومصالحها طويلة الأجل.
ولاشك أن وصول حجم التبادل التجاري بين الصين والدول الإفريقية من عشرة مليارات دولار أمريكي في عام 2000 إلى 220 مليار دولار في عام 2015، وسعى الجانبان لرفع الرقم إلى 400 مليار دولار، بحلول عام 2020، يؤكد رغبة الجابين ليس على المستوى الرسمي فحسب، بل على المستوى الشعبي أيضًا في الاستمرار بقوة لدعم التعاون مع الصين لمصلحة شعوب القارة السمراء، والشعب الصيني في الوقت نفسه.
telsonoty@yahoo.com