طرح الحديث عن طرد السودان عشرات من جماعة الإخوان المسلمين أواخر ديسمبر الماضي، تساؤلات عديدة بشأن علاقة نظام البشير بالتنظيم الدولي للإخوان وبالحركة الإسلامية عمومًا والتي يعتبر الرئيس السوداني أحد أبنائها .
موضوعات مقترحة
تساؤلات من عينة مدى قدرة البشير على اتخاذ مثل هذه القرار إذا أخذنا في الاعتبار أهمية الجماعة له في سياق الحديث عن كونها أحد الأوراق الرابحة والتي يجيد الرئيس السوداني توظيفها في علاقته غير المستقرة بالمجتمع الدولي والعربي، بالإضافة إلى أهمية الجماعة كسلاح ضبط يستطيع البشير من خلالها إحداث نوع من التوازن مع المعارضة الداخلية لنظامه والتي باتت أكثر قوة في المرحلة الراهنة بعد انضمام الحركة الطلابية إليها بشكل هدد معه مستقبل النظام.
في الحقيقة أن تاريخ النظام السوداني في المساومة والمناورة وتوظيف ورقة الإخوان والحركة الإسلامية في الحصول على مكاسب أو تجنب عقوبات دولية حافل في هذا الصدد، وكانت أول بادرة صدرت عن الحكومة السودانية وتشى باستعدادها للتعاون لأقصى مدى ممكن مع الولايات المتحدة الأمريكية فى مجال مكافحة الإرهاب قد صدرت فى شتاء 1996، حين عرضت الحكومة السودانية على واشنطن والرياض تسليم زعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن، بالإضافة إلى تاريخ البشير في المناورة بعلاقاته مع المجتمع الدولي والإقليمي كان آخرها الموقف من إيران والعودة إلى السعودية من خلال المشاركة في التحالف العربي باليمن كبادرة حسن نية لينهي علاقاته بالنظام الإسلامي في طهران.
مؤشرات عديدة يمكن الاستناد عليها في تفسير تلك المعلومات الملتبسة بشأن حقيقة موقف البشير من عناصر التنظيم الدولي للإخوان المسلمين خصوصا الذين هربوا من مصر في أعقاب ثورة 30 يونيو وفتحت لهم السودان أراضيها كمراكز إيواء وتدريب وتسليح، من هذه المؤشرات على سبيل المثال والتي لفت إليها الدكتور حيدر إبراهيم الباحث السوداني ذلك القرار الأخير من الإدارة الأمريكية برفع العقوبات عن النظام السوداني قبل أن يغادر الرئيس الأميركي باراك أوباما البيت الأبيض بأيام قليلة.
وكان الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون قد اتخذ قرارا بفرض حظر تجاري شامل على السودان عام 1997، بتهمة رعاية الإرهاب الدولي وإيواء زعيم تنظيم القاعدة آنذاك أسامة بن لادن الذي كان يقيم في الخرطوم، بيد أنه مازالت هناك عقوبات سوف ينظر في إلغائها بعد ستة شهور إذا تأكدت واشنطن مما تعتبره تطورات إيجابية من جانب الخرطوم، وحينئذ سوف تلغى بقية العقوبات لمدة عام قابل للتجديد.
وفور صدور القرار سادت حالة غير مسبوقة من الاحتفاء والفرح في الخرطوم رسميا وشعبيا نظرا للآثار الكارثية التي تسببت فيها تلك العقوبات على مدى 20 عاما، لكن رفع العقوبات لن يكون عصا موسى ولن يغير الأوضاع ويحل مشاكل السودان الاقتصادية، ما لم تنفذ الحكومة حزمة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية تتعلق بدعم الإنتاج والصادرات، وتخطي الإجراءات البيروقراطية التي تعطل الاستثمارات الأجنبية وقطاع الصادرات، وترشيد الاستهلاك ودعم الصناعة والزراعة، فضلا عن محاربة الفساد الحكومي المستشري.
المؤشر الأخر الذي اعتمد عليه المعارض السوداني الذي يعيش بالقاهرة ، مجيئ دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، وهو المعروف بسياسته تجاه الحركة الإسلامية في الدول العربية وإبدائه جدية في محاربة التطرف الديني، وهو الأمر الذي أزعج العديد من الأنظمة التي تحتوي التيارات الدينية ومنها السودان وقطر وإيران ، مما يجعل فكرة إعادة النظر في تلك السياسات أمر وارد جدا وغير مستبعد أن تعيد الخرطوم نظرتها في هذا الصدد.
المؤشر الأخير هو الوضع الاقتصادي السيئ الذي يمر به الخرطوم نتيجة انفصال الجنوب عن الشمال ، وهو ما آثر سلبا على الموارد الطبيعية للدولة ، وهو ما يجعل من فرضية تنازل البشير والتخلي عن الإخوان كعربون محبة أمر منطقي وغير مستبعد.
فهل يمكن للرئيس السوداني عمر البشير أن يغامر في ظل الظروف الراهنة ويقطع مع الإخوان المسلمين؟ أم أن ما تردد من أنباء عن طرد الخرطوم لمجموعة من الإخوان ليس سوى خطة لمواكبة التطورات الحاصلة على المستويين الإقليمي والدولي، التي تفرض على الخرطوم السير على منهج حلفائها القدامى الإيرانيين في اعتماد التقية في التعاملات، بحيث يبدو في العلن معاديا للإخوان ومسايرا لتوجهات أمريكية مرتقبة لتصنيف الإخوان جماعة إرهابية، فيما يقصد عبر ما تردد مؤخرا من أخبار عن طرد الخرطوم لمجموعة من الإخوان، توجيه رسالة إلى إخوان السودان بعدم الذهاب بعيدا في معارضته حتى لا يكون مصيرهم مثل مصير الجماعة الأم، ليضرب بذلك عصفورين بحجر واحد: مسايرة الموقف الدولي ضد الإخوان وردع أي قلق يحوم حول نظامه.
واستبعد البعض من الخبراء إقدام نظام الخرطوم على التخلي عن ورقة الإخوان، ورأوا أنه السند الأهم للجماعة حاليا، عقب التضييق عليها في عاصمتيها التقليديتين، القاهرة ولندن، وفي انتظار ما ستخرج به إدارة ترامب من قرار بشأن تصنيفهم جماعة إرهابية، وأكدوا أن الأنباء التي جرى تداولها مؤخرا ترمي إلى تحقيق مصالح السلطة في السودان بالدرجة الأولى، قبل أن تكون متعلقة بولاء ديني أو نقاء أيديولوجي.
وذهب البعض من المراقبين إلى أبعد من ذلك، حيث أكدوا أن المعارضة السودانية لم تعد نخبوية، إنما تعززت بالنشاط الطلابي في الجامعات.
وأصبح الطلاب والناشطون والشباب وقود الاحتجاجات والمظاهرات، كما أن النظام السوداني يحرص على الترحيب بشباب جماعة الإخوان الهاربين من مصر وإلحاقهم بالجامعات لإكمال دراستهم، وتوفير فرص عمل وإقامة - حسب الباحث المتخصص في الحركة الإسلامية هشام النجار.
خالد الزعفراني الخبير في الحركات الإسلامية، اعتبر أن النظام السوداني يجنح إلى التكتم والسرية في تعامله مع ملف الإخوان الهاربين إلى بلاده، حيث يحرص على إدماجهم في المجتمع دون "شوشرة"، موضحا أن الإخوان الهاربين من مصر إلى السودان هم من كشفوا أسرار استضافتهم وأنشطتهم داخل السودان من خلال صفحات التواصل الاجتماعي، وهذا يفسر عدم صدور أية قرارات رسمية من السودان لتوضيح هذا الأمر واكتفى النظام السوداني بمتابعة التقارير التي تتحدث في ذلك الموضوع من بعيد.
وأشار إلى أن نظام عمر البشير حريص على استرضاء جميع الجهات، سواء الغرب والولايات المتحدة أو النظام المصري أو جماعة الإخوان، لدرجة استضافته الجناحين المتصارعين داخل الإخوان وإبقاء العلاقة معهما على نفس المسافة، هذا بالإضافة إلى محاولة الاحتفاظ بعلاقته مع القاهرة رغم علاقة النظام في مصر بجماعة الإخوان.