الكلمة تقال لك بمنتهى حسن النية وبصدق حقيقي وتتقبلها أنت بالشكر والامتنان ولكن لو تأملت فيها قليلاً لوجدتها ليست سوى "دعاء عليك بالموت العاجل"!.
فما معنى أن يكون فقدك لقريب أو عزيز آخر أحزانك، إلا أنك ستموت قبل سماعك أقرب نبأ حزين.
فالموت لا يتوقف أبدًا، ولن يكون ذلك الذي مات هو آخر الموتى على الأرض، حتى يكون الحزن عليه هو آخر حزن يصيبك، فما الحياة إلا أحزانا تتعاقب مع الأفراح، وهكذا دواليك إلى أن تصل للحظة الأخيرة في حياتك لتصبح أنت نفسك حزنًا فى قلب عزيز لديك وتتمنى ألا يكون حزنه عليك هو آخر أحزانك.
بل إن الموت نفسه مكون من مكونات الحياة، وهو يعمل في خدمة استمرارها، فالقلب الذي يحزن ويفرح هو قلب مفعم بالحياة ومعنى أن ينتهى الحزن لدى الإنسان هو أن يموت أو على الأقل يفقد القدرة على الإحساس أو يصاب بالغفلة أو الجنون، فلا يعي الفرح ولا الحزن ويصير قلبه قلبًا ميتًا حتى لو كان يتحرك بالنبض ولعل هذا أشد سوءًا من الموت نفسه.
وأرجوك انتبه جيدًا قبل أن تعزي أحدًا وراجع نفسك وأنت تحاول أت تخفف عنه بالعبارات التى اعتدناها فيكفي أن تعزيه بكلمات من نوع "البقاء لله" "الله يرحمه" لكن لو تمنيت أن يكون ما عزيته فيه هو آخر الأحزان لديه، فأنت تتمنى له الموت العاجل دون أن تشعر وهو يؤمن على دعوتك دون أن يشعر.
ورغم حسن النية إلا أن عبارات مثل "البقية في حياتك" و"يجعلها آخر الأحزان" عبارات كاذبة خاطئة فهو يكذب عيك لأنه لا بقية يتركها ميت لحي ولا أحد يعزيك وهو يتمنى أن تكون هذه آخر أحزانك لو أدرك المغزى.
وأنت كذلك تكذب وأنت ترد المجاملات الساذجة بـ: "حياتك الباقية" و"لا أراكم الله مكروهًا في عزيز لديكم" فلا حياته ستبقى للأبد ولا فقدان الأعزاء سيتوقف مادامت الحياة على وجه الأرض.
وكنت أقول في نفسي في عزاء أمي "رحمها الله" لمن يعزونني داعين أن تكون "آخر الأحزان" مع يقيني من مشاعرهم النبيلة: ليه بس كده.. هو أنا عملت لكم حاجة"!
وأخيرًا واجب علىّ أن أقول: سعيكم مشكور، متمنيًا أن تتمتعوا بالحياة حزنًا وفرحًا وأن يباعد الله بينكم وبين آخر الأحزان.