لم يكن يوم 25 يوليو من عام 1978 يومًا عاديًا في تاريخ العلم، ففيه ولدت لويز براون أول طفلة أنابيب في العالم، وهي الآن أم لطفلين، وبرغم أن ولادتها أثارت استياء واشمئزاز الملايين في العالم آنذاك، مع حملة كراهية مريرة شُنت ضد أبويها؛ بسبب مشروعية هذه الطريقة من الناحية الدينية والأخلاقية، برغم كل ذلك فإنها أحدثت "ثورة" في معالجة عقم ملايين النساء حول العالم، وإنجاب أكثر من ستة ملايين طفل بواسطة التلقيح الاصطناعي حتى اليوم..
وبعدها بنحو 18 عامًا، وتحديدًا في يوليو 1996، كان العالم على موعد مع صدمة علمية أشد ضراوة وفتكًا بالمشروعية والأخلاق، حين أُعلن عن ميلاد النعجة "دوللي" بطريق الاستنساخ، تلاها انفجار فى شهية العلماء لمحاولات استنساخ حيوانات أخرى، لأن التقنية صارت واضحة المعالم، فنجحوا فى استنساخ قطط وفئران وأرانب، لكنهم فشلوا فى استنساخ الكلاب والخيول والدجاج.
وإذا كانت الكلبة "لايكا" أول كائن أرضى يُرسل إلى الفضاء في المركبة السوفيتية "سبوتنيك 2" عام 1957 التي صعدت للفضاء، قد حظيت بمكانة كبيرة في ذاكرة العلم، حازت "دوللي" لقب الحيوان الأكثر إثارة للجدل، دون ذنب اقترفته إلا طريقة مجيئها للحياة؛ لأن ميلادها فتح الباب واسعًا حتى اليوم حول أخلاقيات الاستنساخ، خصوصًا حين اتجه تفكير العلماء لتطبيق ذلك على البشر؛ لبناء ـ ولن نقول تخليق فالخالق هو الله وحده ـ أعضاء معينة فيما يعرف بـ"الاستنساخ العلاجي"، وهي المرحلة التي تكفي للحصول على خلايا جذعية بشرية يمكن استخدامها لبناء عضلة قلب جديدة، وعظام وأنسجة المخ، أو أي نوع آخر من الخلايا.
وبرغم أن "دوللي" تلقت رصاصة الرحمة في 14 فبراير 2003، بعد شيخوختها المبكرة، وإصابتها بمرض رئوي، إلا أنها فتحت شهية مراكز بحثية في دول عدة لاستنساخ الحيوانات، كانت آخرها الصين التى أعلنت نهاية 2015 عن بناء مصنع لاستنساخ الأبقار.
وفى ظاهر الأمر أنهم يستنسخونها لتحسين القطعان، لكنها تتسرب غالبًا إلى موائد طعام الملايين حول العالم، فلن يكون أمرًا مستغربًا أن تكون اللحوم الواردة إلينا من الأرجنتين أو البرازيل وأستراليا هى لحوم حيوانات مستنسخة، حيث تنتجها فعلا هذه الدول.
وأوروبا نفسها تعاني هذه المشكلة، برغم حظرها استيراد الأغذية المصنوعة من الحيوانات المُستنسخة أو نسلها.
والسؤال إذا كنا نحن نعاني من تسرب لحوم الحمير إلى المائدة المصرية بشكل بات علنيًا، فهل لنا أن نضع شروطًا تحول دون استيراد اللحوم المُستنسخة، هذا إن كنا أصلًا قادرين على شرائها.
أشك في ذلك؛ لأننا سنتلقى سيلا من الردود "سابقة التجهيز" من عينة "ياعم قول يا باسط"، أو "معدتنا تاكل الزلط"، وغيرها من الأقوال التي نسبوها إلى بطوننا ظلمًا وزورًا حتى تصدرنا قوائم العالم ليس في منجزات، بل في أمراض.
وأمام احتدام الجدل العلمي، ومن قبله الأخلاقي حول العالم منذ مجيء "دوللي" وأخواتها للحياة من بعدها، لم يكن أمام الأمم المتحدة من خيار سوى حظر جميع أنواع الاستنساخ للإنسان عام 2005، سواء الإنجابي أو العلاجي.
قرارات الحظر التي توالت عززتها الأخطاء ومواطن الفشل التي شابت عملية الاستنساخ، زد على ذلك أن دراسة استمرت 12 عامًا وقادها باحث أمريكي بمشاركة خبراء فرنسيين في بيولوجيا الإنجاب والاستنساخ انتهت مؤخرًا إلى ضرورة فرض حظر على استنساخ البشر لأي غرض كان؛ لأنه حتى في تقنية استنساخ الحيوانات الثديية تنتهي في أكثر من 90% من محاولاتها بالفشل، أو وفاة الجنين أو التطور المعيب للمشيمة، ويكفى أن نعلم أن استنساخ دولي جاء بعد 277 محاولة!
وبغض النظر عن نتائج هذه الدراسة، فإن هناك ما يشبه الإجماع بين العلماء على نفي نيتهم استنساخ الإنسان، أو التشجيع على ذلك، حتى وإن كان من باب الخيال العلمي حين يتحول الإنسان إلى منتج "آدمي كامل" مُستنسخ للأغنياء من البشر، مثلما جرت أحداث الفيلم الأمريكي "زي أيلاند" أو الجزيرة، والذي عُرض الأسبوع الماضي.
ويبدو أن حلم الاستنساخ آفة، وربما "صرعة" لايكف البشر عن إتيانها حتى وإن كانت من باب التكنولوجيا، فها هم خبراء تكنولوجيا الروبوت أعلنوا قبل أيام، أنهم يخططون خلال الـ35 عامًا المقبلة لزواج أول إنسان آلى بالبشر، وأنه سيكون أكثر تفاعلا لأنه يعتمد على الذكاء الاصطناعي، على أن يكون أول زواج بين الروبوت وإنسان بشري قبل عام 2050.
الطريف أن بعض الشركات المنتجة للروبوت حاليا بصدد تنفيذ "زوجات أو أزواج روبوت" على أشكال المشاهير، تحت شعار أنك لن تحتاج للاحتفاظ بصور الفنانين؛ لأنهم سوف يكونون أمامك.
وساعتها لن يكون غريبًا أن يطلب أي شخص أن تكون زوجته "الروبوت" مارلين مونرو، أو حتى نانسي عجرم لكن بعد التعديل.. وربما ياتي بعد ذلك يوم توفر فيه شركات التكنولوجيا أطفالًا روبوت، وساعتها بدلا من أن يقولون مبروك جالك ولد، سيقولون لك "مبروك جالك روبوت يتربى في فضائك الإلكتروني"..!