Close ad

بالصور..دنيا ميخائيل في حوار لـ"بوابة الأهرام": قرأت مقالات عن الشعراء العراقيين فشعرت أنني في معرض ملابس

13-1-2017 | 17:18
بالصوردنيا ميخائيل في حوار لـبوابة الأهرام قرأت مقالات عن الشعراء العراقيين فشعرت أنني في معرض ملابسدنيا ميخائيل في حوار لـ"بوابة الأهرام"
حوار منة الله الأبيض - محمد فايز جاد

تعد الشاعرة العراقية المقيمة بالولايات المتحدة أحد الأسماء البارزة في المشهد الشعري العربي، وفي الأصوات القادمة من "المهجر" بشكل خاص. فخلال دواوينها "مزامير الغياب" 1993، "على وشك الموسيقى" 1997، و"الحرب تعمل بجد" 2001، استطاعت أن تقدم نفسها كشاعرة تتميز بلغة خاصة، تبتعد عن الرطانة والإفراط البلاغي. كما ينطلق إبداعها من تجربة حياتية ثرية، آتية من عالم تحكمه الحرب، وتضطرم فيه صراعات اجتماعية وسياسية، ربما تلقي بالإنسان "الفرد" في خلفية المشهد.

في حوارها مع "بوابة الأهرام" تقول عن قضية الحداثة، والجدل الدائر حولها حتى الآن في المشهد الثقافي العربي، رغم تجاوز هذا الجدل في الغرب: مثلما تعرف،الحديث ليس بالضرورة هو الجديد. أنا اكتشفتُ بأن أكثر النصوص الشعرية حداثةً هي بالمصادفة أقدمها زمناً، وأقصدُ تحديداً الشعر السومري (في العراق أو ميسوبوتاميا) الذي هو أقدم كتابة على وجه الأرض.

بالإضافة إلى روح الحداثة التي تتخلل تلك الكتابات، بها مجازات مثيرة للانتباه؛ لأنها تستخدم رموزاً لتسمية الأشياء بسبب محدودية اللغة حينذاك. ولكن اللجوء إلى الصورة والرمز من أجل التعبير قرّبها من أسلوب الشعر كما نعرفهُ اليوم، بعد مرحلة الشعر الحر بفترة، كأنَّ النهر عاد إلى منبعهِ.

أنا أرى أن الشعر العمودي هو الخروج الحقيقي عن نهر الشعر العراقي(إن لم نقل العربي) وليس العكس كما يرى المتجادلون. ولي رأي خاص كذلك بتسمية“قصيدة النثر.” أنا لا أحبّذ هذه التسمية لأن القصيدة لاتحتاج إلى مضاف إليه لتبرير وجودها.

عندما نقرأُ شعراً نعرفُ بأنه شعر بغض النظر عن شكلهِ، إنما المشكلة هي أن الكثير مما يُكتب و يُنشَر على أساس أنه شعر هو في الحقيقة“مشاعر” أو“خواطر.” كيفية تحويل“الشعور” إلى“شعر”، ذلك هو الفن.

موضوعات مقترحة

    وحول استمرارية الشعر ذي الطابع الغنائي والحماسي، وصلة هذه الاستمرارية بالأوضاع السياسية والاجتماعية في الوطن العربي، تقول: في مجتمعنا العربي،كما تعرف،هناك توقعات معينة ينتظرها الناس من أدباء مجتمعهم ضمنها محاكاة الأحداث والوقائع والمعاناة التي تخص ذلك المجتمع. والأدباء، نتيجة لذلك، يشعرون ببعض المسؤولية تجاه تلبية تلك الحاجة أو ذلك التوقّع.

من ناحية ثانية، هناك تنوع في أساليب التعبير حتى لدى الاستجابة إلى قضية واحدة، وهناك مستويات تعبيرية تلفّ البؤرة مثل بصَلة(يعني المشهد الثقافي بَصَلة بالمعنى الفني وليس للطبخ واستدرار الدموع، أمزح فقط). أقصد تحت الطبقة(البَصَلية) الكبيرة من الشعر الحماسي،هناك طبقة من الشعر الغنائي غير الحماسي، وتحتها طبقة من الشعر اليومي مثلاً، وتحتها طبقة من الشعر السردي مثلاً، وبعد عدة طبقات أخرى، هناك طبقة صغيرة من ذوي النبرة الخافتة، وأنا منها.

حظي ديوان ميخائيل "الحرب تعمل بجد" بقبول وإعجاب كبيرين من جانب القراء والنقاد على حد سواء، الذين رأوا في قراءتها للحرب قراءة تجريدية، تخرجه من ضيق تجربة بعينها، عن ذلك تقول ميخائيل: الحرب واحدة بالنسبة لي مهما اختلفت تسمياتها وأسبابها وملاعبها. وهي أليفة جداً بالنسبة لي، على الأقل لأنها كانت تسكن في بيتنا(في بغداد). نعم والله،كانت لها غرفة اسمها “غرفة الحرب” مُجهّزة على مزاجها، أي أن نوافذها مغطاة بالأشرطة اللاصقة حتى لا تؤذينا كثيراً إذا انكسر الزجاج، وفتحة الباب مسدودة حتى لا يدخل الكيماوي، وفي الخزانة معلّبات وفتّاحتها، وأيضًا مذياع وبطاريات.

تلك الغرفة كانت تهتز بنا بشدة، وحين تنتهي الغارة نستغرب أن السقف لم يسقط على رؤوسنا. كانت تُطفأ الأنوار عند بدء الغارة، وإذا لم تُطفأ كان علينا أن نطفئها نحن حتى لا ترانا الطائرات، ولذلك كتبتُ في إحدى قصائدي “الحربُ زرٌ لإطفاء النور.”

تلك الغرفة كانت تهتز بنا بشدة، وحين تنتهي الغارة نستغرب أن السقف لم يسقط على رؤوسنا. كانت تُطفأ الأنوار عند بدء الغارة، وإذا لم تُطفأ كان علينا أن نطفئها نحن حتى لا ترانا الطائرات، ولذلك كتبتُ في إحدى قصائدي “الحربُ زرٌ لإطفاء النور.”

وعن الموقف الذي يتخذه الشاعر من العالم تقول: ربما في البداية تحلمُ الشاعرة (اسمح لي أن أستخدم المؤنث) بأن تغيّر العالم، ولكنها تدريجيا تتخلى عن تلك الفكرة إذ تتعبأ وتنضجُ بما يكفي حتى يصبح حلمُها أن يتركها العالمُ وشأنها.

 ثمة اتهام يوجه إلى الكاتبات العرب وهو أنهن تغلب عليهن نظرة مازوخية، يتخذن موقف المجني عليه، ولكن ترى صاحبة "أحبك من هنا إلى بغداد" أنه "إذا كان الأدب انعكاسًا للواقع فلمَ لا تتخذ المرأةُ موقف المجني عليها ما دامت فعلاً كذلك؟ هي بشكل عام مجني عليها فعلاً، وبخاصة في العالم العربي. إنما من ناحية ثانية،هناك“أعراض جانبية” يعانيها الشعر بشكل عام، أقصد الشعر الذي يكتبه الرجال والنساء على حد سواء، ومنها مسألة التمركز حول الذات والعاطفية الزائدة ونبرة الضحية (المجني عليها كما قلت). بالنسبة لي، أسعى إلى تحقيق “الشعر البارد” في أقسى الحالات، بمعنى أني أحاول أن أحقق توتراً داخلياً (وليس خارجياً)؛ فالقصيدة، بالنسبة لي، هي تلك الرعشة التي تصيب السمكة قبل صيدها بثانية".

وعن مدى الأثر الذي يمكن أن تتركه تجربة الهجرة على المبدع تقول: طبعاً المكان لابد أن يترك أثره على الكاتب، والوطن “الأب” غير الوطن“الأم.” كذلك اللغة الأخرى وتعاملك بها ستجعلك أكثر حساسية تجاه لغتك الأولى. أحد القرّاء قال لي إن كتابتي كانت أجمل عندما كنتُ داخل العراق. يا تُرى هل كان السبب في كثرة المجازات التي كنتُ أستخدمها في شعري وقسمٌ منها لإخفاء المعنى أي واقيات ضد الرقابة، فخدمتْ تلك المجازات الواقية شعري فأحبّه ذلك القارئ أكثر من شعري الحالي الذي اشتغلَ أكثر على شعرية الفكرة مثلاً؟ لا أدري ولكن أعرفُ تماماً أن المكان الجديد ترك آثاره الإيجابية والسلبية عليَّ. أما هل هناك سمات مشتركة بيننا نحن الذين نكتب في الخارج؟ أتمنى لو أنك أنت الذي تجيب.

قالت ميخائيل في أحد حواراتها إنها لا تتفق مع تصنيف الأجيال، ويرى البعض أن الحداثة كانت هي العامل الأهم في إضعاف نظرية "التجييل"، في حين ترى هي أنه "ليس بسبب الحداثة إنما بسبب فردانية الفن. ربما يمكن تجييل الشعراء لأغراض تاريخية ولكن ما يزعجني في التجييل هو عندما يتناول ناقد ما جيلاً شعرياً معيناً ويتحدث عنهم بشكل عام كأنهم قطيع يمشون المشية نفسها ولهم قرون متشابهة فيضيع المفرد بسعر الجملة.

صدّقني قرأتُ عددًا لا بأس به من تلك المقالات وبخاصة عن الشعراء العراقيين فأتاني إحساس بأننا في معرض للملابس ذي الزي الموحد وبإمكان الزائر أن يأخذ انطباعاً سريعاً شاملاً دون أن يهمه كثيراً أن يتوقف عند قطعة لذاتها ما دامت لن تختلف كثيراً عن مجايليها من وجهة النظر تلك".

وبالعودة إلى تأثير المجتمع على المجتمع، تقول إحدى الناقدات المصريات: "إن شعوب المجتمعات الرفاهية لا تنتج أدبًا جيدًا، والعكس أن الشعوب التي تقع تحت ضغط الحرب، وويلات الإرهاب، تفرز إبداعًا متمكنًا"، وتعلق صاحبة "على وشك الموسيقى على هذا الطرح قائلة: أتفق إلى حد ما وليس تماماً. برأيي، الإنسان، من أجل أن يبدع في أي مجال من المجالات، يحتاج إلى قدر معقول من تأمين متطلباته المعيشية. أنا لا أبدع عندما أكون في الأزمة (أي نوع من أنواع الأزمة، اقتصادية أو نفسية.. إلخ) ولكني أبدع عندما تنتهي الأزمة وربما أتخذ من تلك الأزمة موضوعاً للكتابة. أنا لا أبدع عندما أكون في قمة الفرح ولكني أبدع عندما أنتشي بتلك الذكرى التي كنتُ بها فرِحة. نعم نحنُ نحتاج إلى تجارب حياتية حتى نبدع ولكن هل من الضرورة أن تكون تلك تجاربنا نحن؟ لا أتصور ذلك. بالعكس، أنا أحاول إبعاد نفسي إلى حد ما عن تجربتي حتى أتخلص من عاطفيتها حينما أكتبها، وأحاول أن أتبنى تجربة الغير بدرجة تجعلها تبدو كأنها تجربتي.

وحول دور الخطاب الثقافي الراهن في مقاومة تمزق الخريطة العربية، وإعادة تشكيل الهوية، تقول: ما يسترعي انتباهي هو القلم العربي الذي أثبت فاعليته في مواجهة الديكتاتوريات والممارسات غير المدنية بدليل كل هذا القلق الذي يسببه القلم (وبخاصة عندما يكون حاداً) لأصحاب السلطة والنفوذ. فما معنى أن يجري اختطاف أو اعتقال أو قتل أو نفي الأدباء إن لم يكن تعبيراً عن قلق من تأثير أقلامهم؟ هذه المسألة، أقصد تأمين الحريات، وبخاصة حرية التعبير واحترام الإنسان بغض النظر عن لونه ودينه وعرقه، لها أهمية أولوية بالنسبة لي قبل مسألة اندثار الهوية وغيرها. يا صديقي،دعنا نقيم اعتباراً لهويات الآخرين، دعنا نعترف بها وننفتح عليها قبل أن نبكي على هوياتنا التي لن تندثر إلا مع اندثار الآخر وهوياته.

 يقول الشاعر العراقي وديع العبيدي، راصدًا الوضع الثقافي العراقي: "إن الثقافة العراقية التي حافظت على بهائها وإشراقها حتى التسعينيات، رغم عتوّ الدكتاتورية والخطاب الايديولوجي الشوفوني، تكشفت عن انكسارات حادة بعد الاحتلال. إن أبرز ملامح هذا الانكسار هيمنة النزعة الذاتية ببعديها السوداوي والانتهازي لدى طبقة عريضة من الأدباء العراقيين، من المستفيدين والمتضررين من النظام السابق على حدّ سواء، ممن زادت الأوضاع الجديدة من تهميشهم. بنفس المنظور التجأت فئة من الأدباء إلى الصمت والاعتكاف، بينهم من كان في جوق الاعلام الرسمي للنظام السابق أو متضرراً منه. لقد زادت ظروف ما بعد الاحتلال والطريقة التي اتبعت في التعامل مع المثقف العراقي في تدمير الكيان الثقافي العراقي وتذييله، وهو الأمر الذي استعصى على الدكتاتورية نفسها".

وتعلق ميخائيل على هذا الرأي قائلة: هناك بعض الشعراء الذين ينطبق عليهم هذا الكلام، وهناك، من ناحية ثانية، شعراء شباب ظهروا بعد احتلال٢٠٠٣، ممن يكتبون شعراً رائعاً، وبخاصة عند تناولهم للحرب التي عاشوها مثلما عشتها أنا التي أكبرُهم بثلاثة أجيال. وتلك مفارقة إذا رجعنا إلى تسمية الأجيال؛ فجيلي هو جيل الحرب وبعده جيل الحرب أيضاً، وهكذا لحد الآن كلها أجيال حرب!

وتختم حديثها برؤيتها حول كتابها الجديد قائلة: تجربتي مع هذا الكتاب مختلفة عن تجاربي مع باقي كتبي، ليس فقط لأنه نثر وليس شعراً، وليس فقط لأنه يمزج بين الأجناس الأدبية، وإنما لأنه، بطريقة أو بأخرى، استدعاني إلى كتابته. المسألة كلها ابتدأت من حرف واحد(نون) كتبه إرهابيون (جماعة داعش) على أبواب كتهديد لأصحاب البيوت حتى يرحلوا أو يُقتلوا لأنهم“نصارى”، كما يسمّونهم. وكرد فعل،كتبتُ قصيدة بعنوان“ن”، وظننتُ أن الموضوع سينتهي لديَّ عند هذا الحد.

ولكن برغم طول القصيدة (عشرة صفحات أو أكثر)، لم أستنفد مشاعري، بخاصة حينما شاهدتُ قوافل من الناس يخرجون كالنمل من مدنهم وقراهم التي سكنوها مئات السنين.

 اتصلتُ بأقاربي النازحين لأطمئن عليهم فقادتني الصدفُ إلى أشخاص آخرين لهم قصص لا تُصدّق. من بينهم شخص فقدَ العشراتِ من الناس في عائلته الكبيرة. وفي محاولتهِ لإنقاذ ابنة أخيه، أنقذ مئات“السبايا” وساعدهن في الهروب من داعش. ظلَّ يروي لي قصصهن سنة كاملة حتى قررتُ السفر للالتقاء به وبهن في المخيمات. بعد عشرين سنة غياب عن العراق، عدتُ في زيارة فريدة من نوعها.

تجربة الزيارة وقصص أولئك النساء محور كتابي، عنوانه “في سوق السبايا”، وهو بالمناسبة سيكون متوفراً في معرض القاهرة للكتاب الذي يُقام هذا الشهر.



كلمات البحث
اقرأ ايضا:
الأكثر قراءة