Close ad

"في بيتنا رجل".. عن الأفلام الروائية وزبيدة ثروت

24-12-2016 | 12:47
في بيتنا رجل عن الأفلام الروائية وزبيدة ثروت فيلم في بيتنا رجل
صبحي فحماوي
لا أعرف هل كان عرض فيلم السهرة "في بيتنا رجل" على قناة روتانا الفضائية قد تم قبل أم بعد خبر وفاة بطلة الفيلم الفنانة زبيدة ثروت، الذي جمعها بالفنان عمر الشريف، الذي سبقها بالوفاة بسنة واحدة، وهو الفيلم المأخوذ عن رواية لإحسان عبد القدوس بالاسم نفسه، تلك الصادرة في خمسينيات القرن العشرين، ونظرًا لأهمية الرواية فقد تم اقتباس الفيلم عنها عام1961. ورغم اختياره من افضل مئة فيلم مصري، فإنني أعتبره الأفضل بين الأفلام المصرية المائة على الإطلاق.
موضوعات مقترحة


لقد شدني الفيلم رغم أنني كنت قد حضرته أكثر من مرة في دور سينما وفيديو في فترات متعددة من عمري؛ ذلك لأنه مدهش في تميثله، في قصته، في التزامه بقضايا الوطن، في فنية التصوير رغم المواقع المعتمة في الحدث، مدهش في مقاومته القوية للاستعمار، وذلك بضرب قاعدتهم العسكرية ومستودع الذخيرة لديهم، فيلم لرواية واقعية اجتماعية سياسية وطنية، تفوقت على كل الروايات العربية بلا منازع، وتلك الدراما التي كانت تشدني ونحن نشاهد الفيلم أنا وزوجتي، التي كانت تعبر عن توترها وقلقها في متابعتها للأحداث، وتترقب النتائج غير المتوقعة.

كنت وما زلت معجبًا بأدب الكاتب العربي المصري الجميل إحسان عبد القدوس، ابن الشامية "روز اليوسف". ورغم أن البعض لا يعده روائيًا من الدرجة الأولى فإنني ما زلت أحفظ الكثير من سطور رواياته مثل "الوسادة الخالية"، وغيرها، حتى أنني منذ صغري ابتدأت بتقليد بطلة هذه الرواية؛ الفتاة القبطية التي تشتري من الصيدلي فرشة أسنان (ميديم)، فصرت من يومها لا أشتري إلا فرشة متوسطة النعومة (ميديم).

شدني الفيلم الذي كان عبارة عن نص روائي جميل، أين اختفت تلك الأفلام الروائية الجميلة، لتحل محلها الأفلام المفبركة الهابطة؟ كانت السينما المصرية تقف على مستوى السينما الإيطالية والفرنسية والأمريكية ذات يوم، فبدل أن تتطور مع تلك التقنيات العالمية التي تطورت وارتفعت، نجدها هبطت من علٍ، لتكون في الحضيض، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل هناك أيد في الخفاء تطعن السينما المصرية لتصيبها في مقتل؟ هل هو شباك التذاكر الذي لم يفكر رأس المال إلا به متجاهلاً مشاعر المشاهدين، وتحسس قضاياهم ومعاناتهم، فاضطر الجمهور بالمقابل، لتجاهل شباك التذاكر مما جعله يغلق تلقائيًا.

شدني هذا الفيلم الذي أجبرني عرضه التلفزيوني على السهر حتى الثانية بعد منتصف الليل ، وأنا الذي لا يتعدى سهري الثانية عشرة منتصف الليل أبدًا. شدني لأنني ما زلت أذكر كونه ممنوع العرض في دور السينما أيام طفولتي، فصرت متشوقاً لمشاهدته في كل مرة أراه معروضًا تحت تأثير "كل ممنوع مرغوب فيه"، وهذا يجعلني أقول للمسؤولين العرب إن "كل ممنوع مرغوب فيه."، فحتى تشهر كتابًا أو فيلمًا، امنع تداوله في الأسواق، وإذا أردت أن تصنع شعبية لشاعر أو كاتب مغمور أو غير مغمور، امنع كتابه من التداول، أو حتى اقتله كما قتلت جولدامائير غسان كنفاني أو كما تم اغتيال فنان الكاريكاتير ناجي العلي، فسوف يصبح الكتاب أو الكاتب مشهورًا.

شدني فيلم رواية "في بيتنا رجل" لأن أبطاله كانوا أجمل الأبطال من عمر الشريف وزبيدة ثروت، وحسين رياض، وحسن يوسف، وزيزي البدراوي، وغيرهم. كم كان جمال وبراءة أولئك الأبطال الذين ابتعدوا فانتقلنا إلى مرحلة (الطشت قال لي) ثم إلى أفلام الرعب والجشع والعري، الذي لم يكن موجودًا في شخصية الإنسان المصري المحب للحياة والبساطة والسلام، مثل حب عمر الشريف وفاتن حمامة وعبد الحليم حافظ وزبيدة ثروت، ومن كوميديا روائع عبد السلام النابلسي، وأمين الهنيدي ومحمد عوض وعبد الله سعفان، وعبد المنعم مدبولي، وغيرهم..إلى الكوميديا الرخيصة المبنية على الجنس الرخيص الذي يصعب علي ذكره.

نحن نفقد عمالقة السينما العربية المصرية، مثل نور الشريف، وفؤاد المهندس، وعبد المنعم مدبولي، وعمر الشريف، ومحمود عبد العزيز، وزبيدة ثروت، وغيرهم كثير. تمامًا كما نفقد ذلك الألق الذي رافق أفلام يوسف شاهين وغيره من عمالقة السينما العربية المصرية، يوم كانت إعلانات السينما تقول "الفيلم الذي انتظرته الجماهير العربية من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر" حتى هذه المحيطات لم تعد هادرة ولا ثائرة، إلا بالعدوان الأجنبي عليها.

وبهذه المناسبة الحزينة، أجدني أطالب القائمين على رعاية هذا الفن بأن يضعوا مواصفات للأفلام المسموح بها، بأن تكون مأخوذة من رواية مرموقة، وأن تكون هادفة، وليست لمجرد التسلية وتلويث عقول النشء. فإن من أهم أسباب انتشار روايات نجيب محفوظ، وإحسان عبد القدوس وغيرهما، هو تمثيلها سينمائياً. نعم، أطالب بعودة الاهتمام بأفلام الروايات الواقعية الملتزمة بقضايا الوطن، ذلك لأن الأفلام الحديثة الهابطة قتلت شباك التذاكر...وجعلت السينما العربية المصرية غريبة الدار.

لن تغيبي زبيدة ثروت عنا فأفلامك باقية معنا إلى الأبد.
كلمات البحث
اقرأ ايضا:
الأكثر قراءة