لقد خلقنا المولى عز وجل لكي نسعى في الأرض ونجتهد ونعمل ونمرح ونسعد ونعمر، نؤثر فيمن حولنا ونتأثر بوجودهم في حياتنا.. نشارك الأهل والأقارب والأصدقاء في أفراحهم ونواسيهم في أحزانهم.
تبدأ حياة الإنسان اجتماعيًا وهو في المدرسة تجمعه علاقة مع زملائه يملؤها المودة والحب والانطلاق والتآخي لا توجد بها أي مصالح أومنافع أو نفاق أو تقرُب للحصول على شيء من الآخر، ثم ينضج بعد ذلك وتتشعب علاقة الفرد بأفراد أكبر سننا وأكثر وعيًا وإدراكًا لمجريات الأمور، هم زملاء الجامعة الذين تجمعهم المدرجات لتلقي العلوم والمعارف الإنسانية بشتى أنواعها، كذلك الأنشطة الطلابية والرحلات وانتخابات الطلاب، وكلها علاقات يغلب عليها البساطة والمودة وتخلو من التعقيد والكراهية. وبعد أن يمر الإنسان بهاتين المرحلتين المهمتين في التنشئة.
والتأسيس لحياته يبدأ بعد ذلك في حياة العمل والمهنية، يتعرف على زملاء جدد في نطاق عمله تجمعه بينه وبينهم عادة المصالح المشتركة والمهام الوظيفية الواحدة، علاقة لا تقوم على العاطفة بل تقوم على أساس المصلحة التي هي أهم وأشمل خصائص هذه المرحلة من حياة الفرد.
فنجد الفرد يقضي معظم يومه في العمل ساعيًا وراء رزقه حتى يجلب قوت يومه ناسيًا أحبابه وأصدقاءه وزملاءه خلال فترات عمره الأولى، وتتوطد علاقته بزملائه في العمل، وتتطور لخارج نطاق الوظيفة، وتتشعب حياة الفرد اجتماعيًا فيتبادل الدعوات والمقابلات مع زملائه، وتبدأ مرافقة هؤلاء الزملاء في المتنزهات والسفر والرحلات، ناسيًا أصحاب العمر أصحاب البداية، أصحاب الناشئة، ليس كنوع من التكبر أو التعالي أو البعد؛ بل نظرًا لأن ظروف العمل الذي جمعته بأفراد متناسبين معه في الظروف فقط، دون توافقهم اجتماعيًا أو تعليميًا أو ماديًا أو حتى عاطفيًا.
ومن هنا عبر مقالي هذا، أود أن أؤكد ضرورة التمسك بأصدقاء مرحلة الطفولة والناشئة، وعدم البعد عمن كانوا باختياراتنا الشخصية، بل ولابد من ضرورة التواصل معهم والاتصال بهم، ورؤيتهم بصورة منتظمة حتى لو قليلة، لابد من لم شملهم مرة أخرى، والسؤال عنهم حتى ولو بصورة متقطعة؛ لأنهم أفراد تم اختيارهم بمحض إرادة الشخص، وحسب توافقه إنسانيًا واجتماعيًا وتعليميًا وثقافيًا.
من المؤكد أننا جميعًا نعيش مراحل متباينة ومختلفة عبر مراحل العمر، منها مراحل الفرح والسعادة، ومنها مراحل الشقاء والتعاسة، إلا أنه ومن المؤكد أيضًا أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بمفرده، بل يسعى دائمًا لخلق صداقات مع أفراد على شاكلته فكريًا واجتماعيًا؛ ليتبادل معهم الآراء ومناقشات الأمور الحياتية والشخصية، يقف بجانبهم وقت الشدة، ويسعد لسعادتهم في أوقات الفرح والنجاح.
وأختتم حديثي هنا بتأكيد أهمية استمرار علاقة الطفولة التي تقوم على النقاء والمحبة، وتبعد كل البعد عن المصلحة أو المنفعة، فإذا كانت الحياة حقًا محطات فعلينا جميعًا أن نختار أفضل ما في المشوار كرفقاء للدرب، وقوة نعتمد عليها فى وقت المحن والشدائد، ليس محطة فارغة من معاني الحب والإخلاص، تكون مجرد صورة لتكملة المشوار، فاقدة معاني الحب والعطاء والتضحية.
علينا أن نتمسك جميعًا بمن كانوا من اختياراتنا، ونحدد علاقاتنا بمن فرضتهم الظروف علينا؛ حتى نصل إلى المحطة الأخيرة في عمرنا ونحن سعداء، تاركين ذكرى جميلة لمن عاشوا في حياتنا، لا لمن تطرقوا إليها رغمًا عن أنفنا!