ارتبط الاقتراض من صندوق النقد الدولي، في أذهان المصريين بالأزمات السياسية والاقتصادية، والتي بدأت بالتحدي الذي أطلقه الرئيس عبد الناصر ضد الدول العظمي، عندما رفض البنك الدولي إقراض لبناء السد العالي، ومرورا بمظاهرات الخبز في عهد السادات بسبب شروط الصندوق المجحفة، والأعباء الاقتصادية والاجتماعية، التي تحمليها المواطن في عهد مبارك والتي كانت أهمها الخصخصة، وأخيرًا ما تمر به مصر حاليا من ظروف اقتصادية صعبة، أجبرتها للجوء للتفاوض للحصول علي قرض من الصندوق.
موضوعات مقترحة
أنشيء صندوق النقد الدولي، بموجب معاهدة دولية في أعقاب الحرب العالمية الثانية عام 1945، لتعزيز التعاون الاقتصادي الدولي، كمنظمة تابعة للأمم المتحدة، ويضم في عضويته 188 بلدا، ويتخذ من واشنطن بالولايات المتحدة مقرا له.
انضمت مصر لعضوية صندوق النقد الدولي في ديسمبر 1945، وتبلغ حصتها في الصندوق حوالي 1.5 مليار دولار، كانت أولي الأزمات بين مصر والصندوق، في أعقاب ثورة 23 يوليو 1952، عندما أعلن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، شروع مصر في بناء مشروع السيد العالي.
قامت الحكومة المصرية وقتها بتكليف مجموعة من الخبراء الألمان، لإعداد دراسة شاملة عن المشروع، والذين أكدوا أن تنفيذ المشروع ممكن من الناحية الفنية، ولكن التمويل الضخم هو المشكلة الأساسية التي تواجه مصر في تنفيذه، وللحصول علي التمويل، سافر الدكتور عبد المنعم القيسوني، وزير المالية والتجارة وقتها في نوفمبر من عام 1955، إلي واشنطن للتفاوض مع رئيس الصندوق"يوجين بلاك"، وانتهت المفاوضات بإعلان الصندوق الموافقة علي تمويل مشروع السد العالي مناصفة مع انجلترا وأمريكا.
ولكن كانت هذه الموافقة مرهونة بشروط تعجيزية لمصر، وكانت من أبرز هذه الشروط، أن تتعهد مصر بعدم إبرام أى اتفاقات مالية أو الحصول على أى قروض دون موافقة البنك الدولى، وأحقية البنك الدولى فى مراجعة ميزانية مصر، وأن تتعهد مصر بتركيز تنميتها على مشروع السد العالى فقط وتخصيص ثلث دخلها لمدة عشر سنوات لهذا الغرض.
أمام هذه الشروط المجحفة، أعلن الرئيس جمال عبد الناصر رفضه لقرض البنك، وردت أمريكا علي ذلك بإعلان انسحابها من تقديم العون لمصر، وبررت ذلك بأن الاقتصاد المصري لا يستطيع تحمل أعباء بناء السد، وتبع ذلك انسحاب بريطانيا والبنك الدولي، وهو ما أضطر مصر وقتها للجوء للمعسكر الشرقي لتمويل المشروع، في تحد للدول الغربية الكبرى، والتي ردت علي ذلك باتخاذ إجراءات سياسية ودولية ضد مصر.
مظاهرات الخبز
كانت الوصفة الاقتصادية، التي وصفها صندوق النقد الدولي لمصر، في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، سببا مباشرا في مظاهرات 18-19 يناير، عندما أعلنت الحكومة زيادة أسعار السلع الأساسية، مثل الخبر والبنزين والسكر والأرز، وغيرها من السلع بنسبة تتراوح ما بين 30 إلي 50%، وهو ما تسبب في حالة من الغضب الشعبي، انتهت بنزول الجيش للسيطرة علي الأوضاع في البلاد، وتراجع الحكومة عن قرارها بزيادة الأسعار.
وكانت حكومة السادات وقتها، قد بدأت التفاوض مع الصندوق عام 1987-1988، الحصول علي قرض بقيمة 185.7 مليون دولار، وذلك من أجل حل مشكلة الديون الخارجية المتأخرة ووقف زيادة التضخم، وبررت الحكومة لجوءها لهذا القرض، علي لسان رئيس المجموعة الاقتصادية وقتها عبد المنعم القيسوني، الذي أعلن أن القرارات التي ستتخذها الحكومة بالاقتراض من الصندوق بأنها ضرورية وحاسمة، للنهوض بالاقتصاد المصري.
قروض مبارك من الصندوق 1991-1993
لجأت مصر للاقتراض من صندوق النقد الدولي مرة ثانية، في خلال حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، في عهد حكومة رئيس الوزراء عاطف صدقي، والذي اقترض وقتها 375.2 مليون دولار، ونجح من خلال هذه القرض في عمل إصلاح اقتصادي، حيث قام بتحرير سعر الصرف وفتح الباب لمشاركة القطاع الخاص.
وتابع ذلك بتعديل القوانين المنظمة للاقتصاد، وتقليص دور القطاع العام وتراجعه، وأدت هذه الإجراءات بالرغم من صعوبتها وتأثيراتها الاجتماعية، لزيادة الاحتياطي النقدي وانخفاض معدل التضخم واستقرار أسعار السلع.
قرض صندوق النقد 1996 – 1998.
طلبت مصر الاقتراض مرة آخر من الصندوق في عام 1996، للحصول علي قرض بقيمة 434.4 مليون دولار، ولكن لم تقم بسحب قيمة القرض واعتبر لاغياً، ولكنه شكل ختم المرور للاقتصاد المصري وقتها، وسمح لمصر بإلغاء 50% من ديونها المستحقة لدي الدول الأعضاء في نادي باريس الاقتصادية، وهي مجموعة غير رسمية تضم 19 دولة من أغني دول العالم وتقدم خدمات مالية مثل إعادة جدولة الديون وتخفيف عبئها علي البلدان المدينة.
ورفض مجلس الشعب طلب حكومة الجنزوري، الاقتراض من الصندوق مرة أخري في عهد مبارك، وخلال فترة تولي الإخوان للحكم تفاوضوا للحصول علي قرض بقيمة 4.7 مليار دولار، وهو ما قوبل برفض شعبي للاقتراض من الصندوق، الذي يرتبط في أذهان الطبقات المتوسطة في مصر، بإجراءات اقتصادية تضر بهم.
وقال الدكتور حسن وجيه، أستاذ التفاوض الدولي، إن هناك الكثير من الأبحاث والكتب، تتحدث عن التجربة الفاشلة، للصندوق في عدد من الدول مثل البرازيل والأجنتين، ولكن لا نستطيع أن نأخذ هذا الحكم علي مطلقه، خاصة أن الصندوق قام بتغير سياساته، والإجراءات التي يتخذها لإقراض الدول.
وأضاف أستاذ التفاوض الدولي، في تصريحات لـ "بوابة الأهرام" إن الأعباء الاقتصادية والاجتماعية، التي سيفرضها الصندوق علي الاقتصاد المصري، ستعتمد بشكل أساسي علي قدرة المفاوض المصري، في تخفيف هذه الأعباء للحصول علي القرض، دون إضافة أعباء أخري علي المواطن المصري، مشيرا إلي أن الحصول علي القرض، يجب أن يتبعه إجراءات اقتصادية حاسمة مثل تقليل الإنفاق الحكومي.
وأكدت الدكتورة سلوى سليمان، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، إن مصر مرت بظروف صعبة للغاية منذ ثورة 25 يناير وإلي الأن، مشيرة إلي أن الحكومة تمكنت من القيام بمهام اقتصادية صعبة، أهمها مشروعات البنية الأساسية، وتوفير المناخ المناسب للاستثمار.
وأوضحت أن المواطن المصري سيكون عليه عبء كبير، في تحمل الآثار الاقتصادية، وتغير السلوكيات الخاطئة التي يتبعها البعض، مثل تخزين الدولار والمضاربة عليه، أو تخزين السلع الأساسية واحتكارها.
وأضافت أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، في تصريحات لـ "بوابة الأهرام"، إن حصول مصر علي قرض من صندوق النقد شيء عادي، وتقوم به الكثير من الدول، ولكن الأهم من ذلك هو وضع ضوابط محددة للمشروعات التي سينفق فيها قرض الصندوق، لأن الظروف الاقتصادية صعبة والتحدي كبير والفشل هذه المرة ممنوع، لأن عواقبه ستكون وخيمة علي الجميع.