وقفت تختبئ خلف الحضور وكأنها طفل صغير مرتعب. أما هو فلهيب عينيه يخرج برقاً يحرق كل من يحاول إخفاءها عنه.
موضوعات مقترحة
يلتفت يميناً ويساراً عله يتعرف عليها، فهو يستطيع استنشاق أنفاسها في أي مكان إن كانت، وبينما هو يبحث عنها خلف نظارته السوداء.. إذ به يجدها تختبئ خلف شقيقها.
كلما اقترب منها خطوة رأى أظافرها تنبش ذراع أخيها وكأنها ترغب أن تدخل داخله.. عله لا يراها، فأسرع يعبر بين الحضور وكأنه في سباق للسرعة.
بينما هي تلتصق بأخيها أكثر حتى كادت تسقطه معها أرضاً.
فأسرع يمسك بيدها محاولاً مساعدتها ونجدتها من السقوط، ولكنها سحبت يديها وأولته ظهرها وهى تهمس بدندنة طفل رضيع يبكى في أذن شقيقها ليعيدها إلى المنزل.
وعبثاً حاول الجميع إقناعها بالبقاء، فأسرعت تعدو الحديقة ملقية بحذائها هاربة من الحفل.
فاقترب هو من شقيقها طالباً منه أن يلحق بها هامساً: لا أمل أن تثق بي ثانية مهما حاولت.. عليك أن تلحق بها قبل أن يصيبها مكروه.
أسرع الشقيق يجرى حتى لحق بها محاولاً تهدئتها، كان الجميع يتعجب ماذا ألم بها! تلك الفتاه التي كانت تعبث بالرمال ولا تترك يوما يمر دون أن تشرب فيه من مياه البحر باستمتاعٍ وسعادةٍ. تلك الفتاة التي كانت تسير حافية القدمين تاركة شعرها ليعبث به الهواء دون تذمر. هل هي نفسها التي تضع سماعتي الأذن وترفض الحديث إلى أي أحد ما وتكتب بكراساتها عباراتِ غير مفهومة وكأنها طلاسم؟
وكلما حاول محادثتها أو حتى رؤية عينيها كلما هربت وابتعدت.
ومع الأيام، زاد هزولها ونحول جسدها، وطلب الطبيب أن تنقل فوراً لأحد المستشفيات لرعايتها.
أما هو فقد كان يحترق. طلب الإذن بزيارتها أكثر من مرة ولكنها كانت ترفض نهائياً أن تراه.
وذات يوم، قرر دفع الباب والدخول إليها.
وبمجرد أن نظرته رفعت غطاء السرير وكأنها تأمر عينيها أن لا تنظره.
لم يحاول أن ينزع الغطاء بل همس بخجلِ: أعلم أنني لما أعد موضعاً لثقتك، لكن ألا تظنين أنني أستحق ولو فرصة أمل واحدة؟
أعلم أن رؤيتك لي برفقة أخرى قد أدمت قلبك.
أعلم أن قلبك يتألم ألماً مبرحاً كلما نطق أحدهم باسمى أمامك.. فما بالك بقلبي أنا؟!
أعلم أن صدرك يلهث كما لو كنت في سباق كلما رأيتني أمامك.. فما بالك بصدري أنا؟
لا أعلم ماذا أفعل؟ لقد غلبني الزمن واعتصرني الندم، وليس لي بصيص أمل سوى وجودك في حياتي فلا تحرميني منه.
أعلم أنك تدركين جيداً أنك لا تؤذين نفسك بمرضك هذا بل تؤذينني أنا، فأنت تعلمين أنني أتنفس رائحتك، أرجوك صغيرتي انهضي ولا تدعى الزمان يقتلني. فأنت تعلمين أن ما يجعلني أستمر في الحياة هو مجرد النظر إليك.
لا تسامحيني حبيبتي، فأنا أيضا لا أسامح نفسي لكن ما بيدي أو بيدك حيلة. فما حدث قد كان. أرجوك صغيرتي أنا لا أطلب الغفران، بل أطلب أن تتركيني أعيش وبداخلي بصيص أمل برؤيتك ولو لثوان معدودة.